سبب شعور الإنسان أنه مر بموقف معين من قبل ؟
الديجافو هي كلمة فرنسية تعنى "شُوهد من قبل"وفي الواقع يُعد إسمها في حد ذاته هو أكثر شئ يُعطينا إنطباع عن الظاهرة وتفاصليها ، حيث تتطلق ظاهرة الديجافو على المواقف التي يمر بها بعض الأشخاص ، ويشعروا فيها بأنهم مرو بهذه المواقف من قبل .
فمن يمر بها ليس العديد من الأشخاص فقط فعلياً يمر بها الكثير جداً ، ظاهرة الديجافو يمر بها أكثر من ثلثين البشر ، مما يعنى إذا كان عدد البشر 7 مليار إنسان فلك أن تتخيل أن حوالي 4.6 مليار إنسان مروا بهذه التجربة ولو مرة واحدة في حياتهم ، ورأوا بعض المواقف وشعروا فيها أن الزمن يُعيد نفسه وأنهم مروا بهذا الموقف من قبل .
السن أو العمر التي يحدث فيه ظاهرة الديجافو
طبقاً للإحصائيات فإن ظاهر الديجافو لا تحدث إلا للأشخاص الأكبر من 8 سنوات ، مما يعنى أن أي شخص أقل من هذا العمر غالباً لم يمر بهذه التجربة لحد الآن .
لكن بمجرد تخطيه هذا السن والقرب من مرحلة العشرينيات يبدأ في ملاحظة زيادة هذه الظاهرة معه تدريجياً ، ومع وصوله إلى مرحلة عمرية كبيرة مثل سن الـ 70 أو الـ 80 يكتشف أن الظاهرة تقل مع تدريجياً ، وكأنها ترجع مرة آخرى لحالتها في وقت الطفولة .
هذا الأمر الذي جعل بعض الباحثين يربطوا بينها وبين النمو الدماغي الخاص بالإنسان ، وذلك لأنه عندما يكون الإنسان في مرحلة الطفولة يكون النمو الدماغي لديه قليل نسبياً ، ومع التقدم في السن والمرور بفترة الشباب يبدأ النمو الدماغي يزيد أكثر عن الأول ، لكنه لايزيد إلى مالا نهاية وعند سن معين يبدأ النمو الدماغي يأخذ منحى أبطأ ويرجع يقل .
لماذا يمر الإنسان بظاهرة الديجافو ؟
من أوائل التفسيرات التي تم وضعها حول فهم ظاهرة الديجافو ، أن هذه الظاهرة مرتبطة إرتباط كُلي بحالات الصرع التي تصيب الإنسان ، وإن الأشخاص الذي لديهم نوبات صرع هم أكثر الأشخاص عرضة للإحساس بظاهرة الديجافو .
بإلإضافة إلى أنواع معينة من الأدوية التي تساهم في حدوث الظاهرة بشكل كبير ، وأيضاً الأشخاص التي لديهم حالات دائمة من القلق والتوتر كل هؤلاء معرضين بالمرور بالظاهرة .
ستخبرني عزيزي القارئ أنك ليس لديك حالات من الصرع أو القلق والتوتر ومع هذا تأتيك هذه الظاهرة ، الإجابة على هذا السؤال أنك ليس بمفردك تمتلك هذه الحالة .
دائما ما نسمع من أقاربنا وأصدقائنا جملة "يارفاق لقد مررت بهذا الموقف من قبل" وهم أيضاً مثلك لايعانون من أي شئ ، حيث تفسير العلماء والباحثين حول السبب في ظاهرة الديجافو هو فقط نوبات الصرع والأدوية وحالات القلق والتوتر ، هو مجرد تفسير مبدئي و ما تم إكتشافه فيما بعد أن الموضوع أعمق بكثير .
التفسير العلمي لظاهرة الديجافو (نظرية الـ Duel processing)
حيث أن أول محاولة لفهم ظاهرة الديجافو تكمن في ظاهرة المعالجة المزدوجة أو الـ Duel processing ، فهي ظاهرة تحدث داخل جسم الإنسان وتحديداً في المخ .
في حالة حدوث عمليتين مع بعضهما في نفس الوقت وفجأة يحدث خلل في التزامن بين العمليتين ، مما يعنى أن هناك جزئين في الدماغ مسؤلين عن تخزين الأحداث والذكريات .
الجزء الأول مسؤل عن تخزين الأحداث قصيرة الأمد أو المؤقتة ، وبعد ذلك تنتقل إلى جزء آخر في المخ يسمى الـ Hippocampus وهو المسؤل عن الذاكرة طويلة الأمد .
أحياناً يحدث عدم تزامن في تخزين الذكريات الطويلة والقصيرة فيأتي جزء الـ Hippocampus ويسجل بالغلط الحدث التى تراه على أنه حدث قديم أو طويل الأمد ، وبعدها في جزء من الثانية يسجلها مرة ثانية في الذاكرة المؤقتة على أنها ذكرى قصيرة الأمد .
حيث إختلال التزامن هذا هو ما يجعلك المخ يشعر أنه عاش هذا الموقف من قبل ، وإن الحدث الذي يراه حالياً عبارة عن حدث قديم مع أنه حدث جديد وحدث الآن .
التفسير العلمي لظاهرة الديجافو (نظرية الأُلفة)
لم يتوقف الموضوع على هذا فقط بل في الواقع واحدة من أهم النظريات الثانية التى تناولت تفسير ظاهرة الديجافو ، هى نظرية تقول أن سبب حدوث الظاهرة معتمد بشكل كُلي على الألفة .
فإذا حدث لك ظاهرة الديجافو في مرة من المرات فهذا يكون بسبب إن شئ معين حدث لك في الموقف الذي تعرضت له الآن وأنت بينك وبينه ألفة بالفعل .
لو النظرية السابقة فسرت الموضوع أنه معتمد إعتماد كُلي إنك تكون ترى شئ شبيه لشئ آخر رأيته زمان ومحفور في سجل الذاكرة الخاصة بك ، فيوجد نظريات آخرى تقول عكس هذا الكلام .
ستخبرني عزيزي القارئ أنك لديك أصدقاء مروا بظاهرة الديجافو مع أشياء مستحيلة لم يروها من قبل ، فيعتبر هذا الأمر معادلة صعبة وغريبة علي سبيل المثال :
نفترض أن هناك رسام قام بالإنتهاء من رسم لوحة جديدة لم يراها أحد من قبل ، وأول ما قام به فور إنتهائه من رسم اللوحة ، قام بعرضها على زميل له ليأخذ رأيه .
المدهش في الأمر أن زميله بمجرد رؤيته للوحة مر بظاهرة الديجافو فماذا يعني هذا الأمر ، حيث ما في الأمر أن اللوحة جديدة لم يراها أحد من قبل فمن المستحيل أن تكون محفورة في رأس زميل رسام اللوحة ، فما السبب وراء مروره بظاهرة الديجافو ؟ .
التفسير لهذا الأمر أنه يوجد خلل في عمليات الجهاز العصبي ، بمعنى أن الإشارات التي تذهب إلى المخ يحدث لها بُطئ أو تأخر أثناء الحركة .
في الواقع زميل الرسام رأي اللوحة بعيونه الإثنين بشكل طبيعي جداً ، ففي طبيعة الأمر عندما نري شيئاً ما بعيننا تبدأ البيانات في الإنتقال من كل عين على حدا وتذهب إلى جزء مُعين إلى المخ يسمى الـ visual cortex أو القشرة البصرية .
فهذا الجزء مسؤل عن إستقبال البيانات من العين في نفس اللحظة ، حيث يؤدي في النهاية إلى رؤية الشئ الذي تم نقل البيانات منه .
الذي حدث مع زميل الرسام أنه عندما وقعت عيناه على اللوحة بدأت العين اليمين في إرسال البيانات إلى المخ ، وما حدث للعين اليسرى على غير المتوقع تأخرت في إرسال الإشارات البصرية لديها إلى المخ .
حيث تسبب هذا الأمر إلى أن المخ قد إستلم نفس البيانات مرتين وراء بعضهما ليس مع بعضهما ، ونظراً لهذا الخلل بيانات العين اليسرى الذي وصلت إلى المخ ، قد شعر المخ معها بالألفة وكأنه شاهدها من قبل ، ويرجع هذا إلى أنه شاهدها بالفعل قبل لحظات معدودة وذلك عندما أرسلت العين اليمين البيانات .
مما يعني أن تفسير ظاهرة الديجافو ما هي إلا أن العقل إستلم بيانات من العينيين وراء بعضهما بدلاً من إستلامهما مع بعضهما في نفس الوقت المعتاد ، مما جعل المخ يتعامل مع البيانات الأولى على أنها أشبه بالذكريات ، والبيانات الآخرى يقارنها بالبيانات الأولى ويشعر أنها ذكريات قديمة شاهدها من قبل ، وهذا ما يجعله يقول "إنني رأيت هذا الموقف من قبل" .
هل ظاهرة الديجافو تمثل خطورة على الإنسان
في الواقع ورغم إنتشار عدد كبير من الشائعات حول خطورة الديجافو على الأشخاص اللذين يمرون بها ، إلا أن علمياً تُعد ظاهرة الديجافو ظاهرة طبيعية جداً ، لا يوجد منها أي قلق وليست مؤشر على نوع من أنواع الإصابات الدماغية كما يعتقد البعض ، والظاهرة بالفعل مألوفة ومنتشرة بين عدد كبير من البشر مُنذ آلاف السنيين ، فإذا مازلت تمر بظاهرة الديجافو بإستمرار فعليك الإطمئنان أنك بخير .