تُعد الأسماك واحدة من المخلوقات الحية ذات التنوع الكبير في الأنواع والأشكال والأحجام، لكن الشيء الوحيد الذي يفرق بين الأسماك هي البيئة أو نوعية المياه التي تعيش فيها.
هناك أسماك تعيش في المياه المالحة كالبحار والمحيطات والبحيرات المالحة وغيرهم، وعادة ماتكون هذه الأسماك ملونة وزاهية، بالإضافة إلى الأسماك التي تعيش في المياه العذبة كالأنهار والبحيرات والبرك وهذه الأسماك عادة لا تكون ألوانها زاهية.
لكن بعيداً عن الفروق الظاهرية هل ياتري هناك اختلافات أخر بينهم؟ أو ما هي الصفات الذي يتميز بها كل نوع منهما؟ وكيف يستطيع كل نوع منهمها العيش في البيئة الخاص به؟ والأهم من ذلك هل ياتري إذا احضرنا سمكة تعيش في المياه العذبة ووضعناها في المياه المالحة أو العكس ماذا سيحدث؟
الفرق بين أسماك المياه العذبة والمالحة؟
أول وأهم اختلاف بين أسماك المياه المالحة وأسماك المياه العذبة هي الطريقة التي يستخدمها كل نوع منهما لإدخال المياه داخل أجسامهم، لماذا تحتاج الأسماك إلى دخول الماء إلى أجسامهم؟
الأسماك أو المخلوقات البحرية في العموم تحتاج لدخول المياه إلى أجسامهم باستمرار لأكثر من سبب :
السبب الأول: لكي تستطيع الأسماك التنفس من خلال الخياشيم الخاصة بها واستخلاص الأكسجين من الماء بالإضافة إلى أن المياه تعمل على توازن هيدروليكى لجسم السمكة والوسط المحيط بها بحيث يكون الضغط الواقع على جسم السمكة في حالة من الاعتدال، ويساعد الماء أيضا على التخلص من الفضلات الناتجة عن عمليات الأيض أو التمثيل الغذائى.
بل أن المياه التي تكون داخل أجسام الأسماك تجعلها جزءً من الماء، وبالتالي تتمكن من تتابع الإشارات الكيميائية الموجودة داخل المياه والوصل إلى غذائها بسهولة تامة والتواصل مع الأسماك حولها، مما يعني أن دخول المياه إلى جسم الأسماك في غاية الأهمية للبقاء على قيد الحياة.
آلية دخول المياه إلى أجسام الأسماك
دخول المياه إلى أجسام الأسماك ليس في غاية السهولة، ولكن تبذل الأسماك الكثير من الجهد لجعل المياه تتدخل إلى أجسامها، وذلك يتم عن طريق خاصية تتواجد في المياه تعرف بإسم "التناضح" هذه الخاصية {هي أن المياه تنتقل بشكل طبيعي من المنطقة التي يوجد فيها تركيزات ملحية منخفضة للمنطقة التي يوجد فيها تركيزات ملحية عالية} بهدف حدوث توازن بين الاثنين.
عند إحضار كوب من الماء يوجد بداخله كميتين مختلفتين من المياه يفصل بينهم حاجز شبه نفاذ، يوجد كمية منهم تحتوى على نسبة صغيرة من الملح والكمية الأخرى تحتوي على نسبة كبيرة من الملح، في هذه الحالة تبدأ المياه بالانتقال ناحية المنطقة ذات التركيز الأكثر من الملح لتُحدث توازن بين الكميتين وهذه الظاهرة تحدث بشكل طبيعي دون آي تدخلات خارجية .
نسبة الملوحة في مياه البحر ذات نسبة عالية جداً تصل إلى ٣.٥٪ ما يعادل ٣٥ جرام لكل ١ لتر ماء، لذلك أسماك المياه المالحة تضطر إلى إفراز الكثير من الأملاح داخل أجسامها وتمتصها بكثافة من خلال آي مصدر موجود حولها.
بل أنها تتغذي على الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من الأملاح مثل القشريات والرخويات بالإضافة إلى القواقع، وذلك حتي تصل نسبة الأملاح في أجسامها إلى نسبة أكبر من الموجودة في مياه البحر وبالتالي تتدفق مياه البحر داخل أجسامهم بكل سهولة.
اما بالنسبة إلى أسماك المياه العذبة لا تحتاج إلى إفراز الأملاح داخل أجسامها، وذلك لأن نسبة الأملاح الموجودة في المياه العذبة نسبة ضئيلة جداً من الأساس بل في بعض الأحيان تكاد تكون منعدمة.
متوسط نسبة الأملاح في مياه الأنهار تتراوح من ٠٫١٪ إلى ٠٫٥٪ ما يعادل نصف جرام ملح لكل ١ لتر ماء، وذلك يجعل الماء العذب يتدفق داخل أجسام بكل سهولة.
بالنسبة لسمكة المياه المالحة بمجرد إلقائها في المياه العذبة ستبدأ المياه بالتدفق داخل جسمها بكميات كبيرة جداً وذلك لأن تركيز الأملاح في جسمها أعلى بكثير من تركيز الأملاح في المياه العذبة وبناءًا على ذلك جسم السمك من الداخل سيمتلئ بالماء بالإضافة إلى انتفاخ وتورم أعضاء السمكة الداخلية لدرجة أنه من الممكن أن تنفجر السمكة.
اما بالنسبة لسمكة المياه العذبة بمجرد إلقائها في المياه المالحة سوف يحدث العكس تماماً المياه والسوائل الموجودة داخل جسم السمكة سوف تخرج إلى مياه البحر وذلك لأن تركيز الأملاح في المياه المحيطة بالسمكة أعلى من تركيز الأملاح الموجودة داخل جسم السمكة والذي بدوره يتسبب في انكماش وجفاف جسم السمكة.
إختلافات آخرى بين أسماك المياه العذبة والمالحة
من بين أهم الاختلافات بين أسماك المياه العذبة وأسماك المياه المالحة هو السلوك لكل نوع منهما.
أسماك المياه المالحة البيئة الخاصة بها تكون ذات أمواج عالية وتيارات شديدة بالإضافة إلى منافسة قوية على الغذاء وهذا يجعل سلوكهم عنيف والتحرك داخل المياه بسرعات كبيرة، حيث تكون حياتهم عبارة عن خناقات ومطاردات وقلقل.
بالإضافة إلى ذلك أن معظم أسماك المياه المالحة ذات أسنان حادة وقوية فالبعض منهم لديه أسنان في الفك العلوي والسفلى، وبعضهم يمتلك "أسنان حنكية" توجد في سقف الفم واللسان، وبعضهم يمتلك أسنان بلعومية تتواجد عند بداية الحنجرة، وذلك حتي تتناسب مع طبيعة طعامهم التي تحتوي على نسبة عالية من البروتينات والدهون.
اما بالنسبة إلى أسماك المياه العذبة تكون هادئة تماماً وذات حركات بطيئة، وذلك لأن مجال المنافسة على الطعام داخل المياه العذبة ليس بكبير بالإضافة إلى أن التيارات وحركة الأمواج في المياه العذبة مستقرة وليست مضطربة،مما يعني أن أسماك المياه المالحة أكثر وحشية من أسماك المياه العذبة بفرق كبير.
بالإضافة إلى أن أحجام أسماك المياه المالحة أكبر بكثير من المياه العذبة وأكبر أنواع سمك المياه العذبة سمك "الحفش الأبيض" والذي يتراوح طوله من ٥ إلى ٦ أمتار ويزن طنًا في حين سمك "قرش الحوت" أكبر أسماك المياه المالحة والذي يصل طوله إلى ١٢ متر ويزن ٢٠ طن.
"الحوت الأزرق" أكبر حيوان على سطح الأرض طوله يصل إلى ٣٠ متر ويزن ١٣٠-١٥٠ طن ويعيش أيضا في المياه المالحة، بالإضافة إلى ذلك أسماك القروش والدلافين والأخطبوط والحبار وغيرهم كثير، وبالتالي يوجد فرق كبير في معدل نمو أسماك المياه المالحة وأسماك المياه العذبة.
أخيرًا واحدة من الظواهر العجيبة جداً أنا هناك بعض الأسماك أو المخلوقات البحرية يطلق عليها اسم "اليوري هاليين" وهي أسماك تستطيع العيش في المياه المالحة والمياه العذبة في نفس الوقت والتأقلم بسهولة، بل يمكنها التأقلم أيضًا مع تغيرات درجات الحرارة الشديدة والتغيرات الحمضية والقلوية وتغير الضغط وشدة التيار.
أشهر الأمثلة على ذلك أسماك السالمون، سمك السالمون يعيش معظم فترات حياته في المياه المالحة لكن في أوقات التكاثر في شهور الربيع والصيف يهاجر من المياه المالحة إلى المياه العذبة لمسافات طويلة جداً لحين الوصول إلى الأنهار التي تصب المياه الخاصة بها في المحيطات.
وهناك يقوم سمك السالمون بعملية التكاثر، حيث تضع الأنثى البيض داخل المياه العذبة وعند خروج صغار أسماك السالمون من البيض تبقي فترة في المياه العذبة إلى حين النمو والرجوع إلى المياه المالحة مرة آخرى.
من الأمثلة الغريبة أيضاً على هذا الأمر سمك "قرش الثور" هذا القرش طوله في المتوسط يصل إلى ٣ أمتار ويزن حوالي ٢٥٠ كيلوجرام، وبالرغم من أنه يعيش في المياه المالحة الا أنه يهاجر إلى بعض الأنهار العذبة ويعيش هناك بالسنين.