اليابان دولة ذات موارد طبيعية قليلة جداً ولكنها في نفس الوقت تعد من أغنى دول العالم، فاليابان دولة قائمة بالقانون والدستور ليس لديها جيش نظامي لحمايتها وعلى الرغم من ذلك تمتلك قوات حماية تضاهي اعتد الجيوش العسكرية في العالم.
اليابان عبارة عن أرخبيل من الجزر المعزولة في المحيط الهادي بالقرب من الساحل الشرقي لقارة آسيا وعلى الرغم من عدد الجزر التي تتشكل منها اليابان حيث تقترب من ٧٠٠٠ جزيرة الا أن أربعة منها هم فقط التي يتركز فيهم السكان.
حيث تبلغ مساحة هذه الجزر الأربعة حوالي ٨٩٪ من المساحة الإجمالية لليابان، والغالبية العظمي من أراضيها عبارة عن مناطق وعرة وجبال، اما بالنسبة للمناطق الصالحة للسكن بأكملها لا تتجاوز ٢٠٪ من المساحة الإجمالية للأرض، في حين أن اليابان تقدر مساحتها حوالي ٣٧٨ ألف كيلومتر مربع اي تعتبر البلد صغيرة نسبياً.
بالإضافة إلى ذلك وقوع اليابان جغرافيًا في منطقة الحزام الناري في المحيط الهادي والتي تعتبر أخطر المناطق على كوكب الأرض، منطقة الحزام الناري هي المسؤلة عن ٩٠٪ من الزلازل وأكثر من ٧٥٪ من البراكين التي تحدث في العالم بأكمله.
خلاصة هذا الأمر أن الظروف الصعبة هذه لطبيعة الموقع اليابانى كان لها آثر في تكوين شعب عنيد لا يخاف من الأخطار، بل أن الموقع نفسه أنشأ نوع من الحماية أو العزلة من المتطفلين والغزاة.
أسباب أن اليابان ليس لها جيش
اليابان محمية بموانع طبيعية تجعل اي جيش من الجيوش خصوصًا القديمة من التفكير مرات كثيرة قبل الإبحار والوصول إلى جزر اليابان، ولنفترض فعلاً قيام جيش بغزو جزر اليابان سيجد بانتظاره مجموعة بشرية مُدربة على أعلى التدريبات لمواجهة الأخطار.
أرض اليابان أغلبها أراضي جبلية شبه معدومة من الموارد ولذلك الصراعات التاريخية لليابان التي حدثت لاحتلال اليابان باءت جميعها بالفشل بل أن حتي المغول في فترة قوتهم وشبه احتلالهم للعالم بأكمله لم يتمكنوا من تحقيق غارات كبيرة على أرض اليابان.
وكان التطور الطبيعي لهذه الأوضاع أن اليابان هي من غارت على جيرانها وليس العكس، وظلت الأجيال اليابانية المتعاقبة تكتسب العقيدة القتالية للاستعلاء على الجميع، في نفس الوقت كان إمبراطور البلاد في مرتبة تشبه الاُلهية.
مع تقدم السلاح وصناعة الأساطيل المتطورة بدأت اليابان في احتلال الدول المجاورة لها وكانت البداية في احتلال شبه الجزيرة الكورية عام ١٩١٠ م وبعدها احتلال اي جزيرة خالية أو بها قوات ضعيفة يتم احتلالها ومع نجاح هذه العمليات قررت اليابان بحملة تأديب واحتلال للشعب المغولي أحفاد "جنكيز خان"
بالإضافة إلى الإغارة على أراضي تابعة للامبراطورية الروسية، وبسبب عملية التوسع المتتالية عُصبة الأمم اعترضوا على تصرفات الامبراطورية اليابانية فكان الرد من اليابان بانسحابها من عُصبة الأمم مع احتلال إقليم منشوريا الصيني عام ٩٣١ م.
مع قيام الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩ م عادت اليابان مرة اخرى تستكمل حملات التوسع وكان الدور على جزيرة هونغ كونغ وأجزاء جديدة من الصين بالإضافة إلى دولة بورما وأجزاء من تايلند والهند الشرقية والفلبين.
بل توسعت الغزوات إلى حدود أستراليا والتفكير في ضمها لكنهم واجهوا مقاومة شديدة من قبل الجيش الاسترالي والذي كان مدعوم في وقتها من الامبراطورية البريطانية والهند حيث أدى ذلك إلى تعطيل الحملات العسكرية اليابانية.
حيث لم يأثر ذلك الأمر على اليابانيين لأنهم كانوا في حاجة للدفاع عن المساحات الشاسعة من الأراضي المضمومة، وكان جنرالات اليابان وقتها يفكرون في التهدئة وإعادة التنظيم قبل الرجوع إلى التوسع مرة ثانية، لكن من قام بتعقيد الأمور وتغيير الخطط هي حكومة "فيشي" الفرنسية.
حكومة فيشي الفرنسية سمحت للقوات اليابانية بإستخدام مستعمراتهم الآسيوية كقواعد عسكرية وكان يمثل هذا تهديدا كبيرا للمستعمرات الأمريكية في الفلبين وهذا ما دفع امريكا إلى توجيه إنذار إلى القوات اليابانية.
بل أنهم حظروا تصدير البترول إلى اليابان ونتيجة لهذا التصرف علمت اليابان أن أمامها فترة قصيرة قبل انتهاء المخزون الاستراتيجي للبترول الخاص بها وكان الحل من وجهة نظر اليابنين هو الاستيلاء على مواقع ومراكز البترول في إندونيسيا والتي كانت مستعمرة هولندية وماليزيا التي كانت مستعمرة انجليزية والفلبين التي كانت مستعمرة أمريكية.
في راي القادة العسكريين لم يكن من الممكن لليابان الاستيلاء على البترول من هذه المستعمرات ونقله إلى سواحلها دون مقابلة سفن وأساطيل بحرية من القواعد العسكرية البريطانية والامريكية، ولأن البحرية البريطانية وقتها كانت أقوى قاعدة بحرية في العالم بالإضافة إلى أن العلاقات اليابانية الامريكية كانت في حالة من التدهور بسبب قرار حظر تصدير البترول.
قررت اليابان مهاجمة ميناء بيرل هاربر الامريكي وفي نفس الوقت مجموعة من القوات تقوم بتعطيل الجبهة البريطانية ومنعها من التدخل وباقي القوات تتوجه إلى مستعمرات البترول، وبالفعل بدأت العملية اليابانية والتي تسمي باسم "عملية الأخطبوط"
كان الهدف من هذه العملية أن القوات اليابانية تنتشر مثل أزرع الأخطبوط وضرب كافة الأهداف في نفس اللحظة، وفي ٧ ديسمبر ١٩٤١ م بدأت العملية ووجهت البحرية اليابانية ضربتها نحو كافة القطاعات.
وعلى الرغم من الهجوم الناجح على بيرل هاربر كان من تخطيط الادميرال "إيزوروكو ياماموتو" قائد القوات البحرية اليابانية الا أن الادميرال نفسه كان ضد الهجوم حيث كان يري أن القوات اليابانية صحيح ستتمكن من تحقيق أهدافها في الشهور الأولى الا أنها لن تتمكن في المحافظة على هذه الانتصارات بسبب نقص الاحتياطات الاستراتيجية اللوجستية عندها.
بعد استيعاب الولايات المتحدة الامريكية الضربة المبرحة في الشهور الأولى فكرت في تعويض الخسائر وعمل هجوم مضاد وقتها لم تكن امريكا دولة عسكرية من الطراز الأول لكنها كانت دولة علمية واقتصادية ولذلك عند احتياجها ان تكون دولة عسكرية تمكنت من فعل ذلك بشكل سريع.
هذا الأمر كان عكس اليابان فكانت تعتمد اليابان على شجاعة وقوة مقاتليها لم تكن في ذلك الوقت تهتم بالبحث العلمي والتكنولوجي ولذلك كانت امريكا تحارب اليابان من خلال التفوق التقني وكانت اولي المفاجأت الامريكية لليابان هي قدرتهم على كسر الشفرة اليابانية.
كافة التحركات اليابانية مرصودة في الحسبان بينما الهجمات الامريكية كانت دائماً مفاجئة وخصوصاً أن القاعدة الجوية الامريكية كانت تتفوق بصورة كبيرة جداً عن القاعدة اليابانية، ولم تكن شجاعة المقاتلين سلاح كافي لوقف الهجوم الامريكي ولذلك استمرت القوات الامريكية في تحرير الجزر المتناثرة في المحيط.
حتي تمكنت من نقل المعركة إلى الجزر اليابانية نفسها وبالرغم من كل هذا الضغط رفض المقاتلين اليابانيين الاستسلام، وفي مايو عام ١٩٤٥ م حدث منعطف خطير في الحرب أعلنت ألمانيا النازية الاستسلام.
في ذلك الوقت تبقي اليابانين وحدهم في الحرب، وفي يوم ٦ أغسطس عام ١٩٤٥ م صدق الرئيس الامريكي "ترومان" على استخدام القنبلة الذرية على هيروشيما، وبعد إلقاء القنبلة وإثبات آثرها الكبير تم توجيه الانذار الأول بوجوب التسليم الفوري دون اي شروط والا سيتم إلقاء قنبلة ذرية اخرى.
لكن مع ذلك رفضت اليابان الاستسلام وكانت النتيجة يوم ٩ أغسطس تم إلقاء القنبلة الثانية على مدينة ناجازاكي وبالرغم من استخدام القنبلتين الذريتين والتهديد الامريكي المستمر الا أن اليابان أيضاً لم تستسلم الا بعدما قدم الامريكان تعهد باستمرار الامبراطور الياباني في الحكم مع نظامه بالكامل.
وهذا هو الكلام الذي تم توقيع اتفاقيه عليه يوم ١٥ أغسطس عام ١٩٤٥ م والذي ينص على احتفاظ اليابان بامبراطورها ونظامها الحاكم وكان المقابل التوقيع على وثيقة الاستسلام النهائي في ٩ ستمبر من نفس العام.
من الأشياء المدهشة أن هذا الاستسلام كان بناءًا عن رغبة الامبراطور المقدس نفسه حيث أن الشعب لم يكن في حالة من الفرح لإيقاف الحرب بل أن هناك مجموعات كبيرة قد إنقلبت على الامبراطور المقدس واستمروا في الحرب.
والآن قد فهمت أن شعب كشعب اليابان لم يكن من الصواب أن يُترك له جيش وقوات قتالية بعد الحرب، حيث قامت الحكومة اليابانية بتسخير الطاقة وعزيمة الشعب الياباني في البناء والاتجاهات العلمية وفي النهاية اقتنعوا أن العلم والتكنولوجيا يمنحوا الجرأة والشجاعة فاختاروا طريقهم نحو العلم والتكنولوجيا.
لماذا لا تمتلك اليابان جيش؟
لذلك وصل البرلمان الياباني مع الحكومة الامريكية إلى قرار ينص على نزع السلاح وترك مهمة الدفاع عن الأراضي اليابانية للقوات الامريكية وفي المقابل تلتزم امريكا بإمداد اليابان بكافة الكوادر والخبرات العلمية لبدأ بناء طريق الدولة الجديد.
وبالفعل أثبت الشعب الياباني إرادتهم وتقديم معجزة اقتصادية للعالم وتمكن الطلبة اليابانية من التفوق على الأساتذة الأمريكية في كافة المجالات.
ومع مرور الوقت وزيادة ثقة العالم في العقلية اليابانية الجديدة بدأ يُقدم تسهيلات لليابان لإنشاء قوات للدفاع الشعبي على اعتبار أنها إمتداد للشرطة المحلية، وهي القوات التي عرفت بإسم "قوات الدفاع الذاتي اليابانية" وبمرور الوقت أصبحت تمتلك أسلحة ثقيلة في كافة أفرع الوحدات العسكرية، لدرجة أنها تصنف الآن في المركز الخامس عالمياً طبقا لتصنيف جلوبال فاير باور.