لا شك أن التقدم الطبي قد ساهم في إنقاذ حياة ملايين من البشر ومازالت آمال البشرية منعقدة على الاكتشافات الطبية، وفي محاولة إلى الوصول إلى علاج ضد الأمراض المستعصية يلجأ العلماء إلى تجارب متعددة على الحيوانات والبشر.
وبالرغم من وجود شروط لأداء هذه التجارب مثل ضمان سلامتهم والكشف عن طبيعة التجربة وموافقة الحالة المشاركة، إلا أن رغبة العلماء في تحقيق إنجاز طبي تتغلب أحياناً على المبادئ والأخلاق, وكثير من العلماء علي مر التاريخ قد استغلوا فترات الحروب لتحقيق مكاسب شخصية بإجراء تجارب بشعة من أجل الحصول علي علاجات جديدة أو حتي لإرضاء الجنون.
أبشع التجارب الطبية على البشر في التاريخ
في عام ١٩٨٠ م دخل الشاب بوبي صاحب الـ١٩ عام إلى جامعة محلية في مقاطعة سوليفان الأمريكية، حيث كانت هذه المرة الأولى التي يدخل فيها إلى هذه الجامعة ومنذ لحظة دخوله وجد مجموعة من الشبان لا يعرفهم يقوموا بالإشارة إليه بأيديهم وكأنهم يسلمون عليه.
وبعد لحظات وجد شخصًا اخر وراءه يناديه ومن ثم قام باحتضانه وقال له : { مرحباً ايلي } لكنه تفاجأ واخبره أنه يسمي بوبي، حيث أتضح أنه كان يوجد شخص اخر يشبه بوبي طبق الأصل في هذه الجامعة السنة الماضية وقد تركها، لكن فكرة مجرد التشابه لم يقتنع بها الشاب وسأل بوبي سؤالًا شخصيًا من الممكن أن يكون السر في التشابه بين الاثنين.
هل أنت لديك أخ توأم؟ ,فكان الرد من قبل بوبي : لا ،حيث طرح سؤلًا اخر عليه وسأله هل أنت مُتبنى؟, فكان الرد من قبل بوبي : نعم.
وهنا قرر بوبي الاتصال بالشخص الذي يشبهه للتأكد من صحة الأمر، وبالفعل اتصل بـ أيدي واتفقوا على أن يتقابلوا وجهًا لوجه، وكانت المفاجأة أن الاثنين كانوا في نفس دار الأيتام وأنهم بالفعل توأم وكل واحداً منهم تم تبنيه بواسطة أسرة مختلفة.
حيث أثارت هذه القصة ضجة كبيرة في نيويورك وقتها وعدد من الصحفيين تواصلو مع التوأم وقد أجروا معهم حوارات ومقابلات صحفية ونُشر عنهم مقالات في الصحف مصحوبة بصور لهم، والعجيب في الأمر أن هذين التوأمين قد تلقوا اتصالاً من شخص يدعي ديفيد يخبرهم أن قد رأى صورهم في الصحف والمجالات وأنه يُشبههم أيضاً.
حيث أتضح أنهم ليسوا مجرد توأمين بل ثلاثة فلم يكن فصلهم عن بعضهم البعض مجرد صدفة، حيث كانوا ثلاثتهم في نفس دار الأيتام وتم فصلهم بشكل عمدي ضمن تجربة علمية بمباركة الدار وتمويل جزئي من المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية.
الأطباء النفسيين الذين كانوا مسؤلين عن الدراسة هم بيتر نيوباور (Peter Neubauer) - فيولا برنارد (Viola Bernard)، وكان الهدف من هذا هو دراسة التطور العقلي لثلاثة توائم بعد فصلهم وتبنيهم من قبل أسر مختلفة في المستوي التعليمي والاجتماعي والمادي.
حيث كانوا يتابعون الأطفال عن طريق تواصلهم مع أسرهم والذهاب إلى منازلهم وتصويرهم في مراحل عمرهم المختلفة تحت حجة أنه إجراء روتيني من جانب الدار وقيامهم بدراسة على الأطفال التي تم تبنيهم.
وهؤلاء الثلاثة لم يكونوا الوحيدين ضمن التجارب إنما الفريق البحث هذا قد عمل على هذه التجارب السرية لفصل التوائم ودراستهم من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
أما بالنسبة إلى نتيجة هذه التجارب فلك أن تتخيل أنه لا يعلم أحد ما هي إلى وقتنا الحالي، نتائج الدرسات محفوظة داخل أرشيف في جامعة ييل (Yale University) وغير مسموح بالكشف عنها قبل عام ٢٠٦٦ م .
الوحدة ٧٣١ اليابانية هي وحدة سرية تابعة للجيش الإمبراطوري اليابانى، تم إنشاءها لبحث وتطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، حيث نفذت الوحدة مجموعة من أبشع جرائم الحرب في التاريخ في فترة الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي.
معظمها كانت تجارب كانت تستهدف المدنيين خصوصاً في الصين أثناء الحرب اليابانية الصينية الثانية، حيث كانت هذه الوحدة مسؤلة عن نشر أمراض مثل الكوليرا (Vibrio Cholerae)- الحمي التيفودية (Typhoid fever) - الطاعون (plague).
وتوصلت لهذا عن طريق إصابة آبار المياه المنتشرة في المدن الصينية، حيث استخدموا السجناء للبحث عن علاج فعال لعضة البرد التي تصيب الإنسان نتيجة التعرض لدرجات حرارة قارصة لفترات طويلة،
بالإضافة إلى تعريض السجناء إلى غازات سامة ووضعهم في غُرف الضغط إلى أن تنتفخ عيونهم وتكاد تنفجر، وتشريحهم وهم مازالوا علي قيد الحياة، حيث يقال أن بعد الحرب العالمية الثانية الحكومة الأمريكية قد ساهمت في التكتم على تجارب الوحدة ٧٣١ بهدف الاستعانة باليابان كحليف أثناء الحرب الباردة.
عام ١٩٣٠ م استعان أخصائيون في النطق من جامعة ايوا الأمريكية (The University of Iowa) بعدد من الأطفال الأيتام بلغ ٢٢ طفل، حيث كانت النظرية أن التلعثم أو التأتأة (Stuttering) في الكلام هو سلوك مُكتسب ناتج عن قلق الطفل من التحدث بأريحية.
لكن التجربة التي تم استخدامها علي الأطفال كانت أبعد ما يكون عن الأخلاق أو حتي الإنسانية بشكل عام، فريق الأطباء تحت إشراف الأميركي وينديل جونسون (Wendell Johnson) حيث جلسوا مع مجموعة من الأطفال يخبروهم أنهم محكوم عليهم بالتأتأة في الكلام بالمستقبل.
فقد أحضروا أطفال أيتام بلغت عمرها من سن ٥ - ١٥ سنة، يحدثوهم بأن لديهم علامات التأتأة أو التلعثم ويجب أن لا يتكلموا إلا في حالة إذا كانوا متأكدين أنهم سوف ينطقون بشكل صحيح.
على الرغم من أن التجربة لم ينتج عنها تلعثم بين الأطفال إلا أن معظمهم قد أصيب بحالة من القلق والتوتر والانعزالية وقلة الكلام، وهي الصفات التي صاحبة هؤلاء الأطفال الأيتام إلى بقية حياتهم حتي بعد انتهاء التجربة بعشرات السنين.
وقد تم التكتم عن هذه الدراسة خوفاً من الإضرار بسمعة عالم النفس الأميركي ويندل جونسون خصوصاً بعد الكشف عن التجارب البشرية المفزعة للنازيين خلال الحرب العالمية الثانية، لكن في نهاية المطاف تم الكشف عنها وأصبحت معروفة بإسم "دراسة الوحش".
وبالرغم من اعتذار جامعة ايوا في عام ٢٠٠١ إلا أن مجموعة من الأيتام التي تم اجراء الدراسة عليهم قد رفعوا قضايا ضد ولاية ايوا والجامعة، وتم تسوية القضية عام ٢٠٠٧ وحصل الأيتام التي تجاوزت أعمارهم الـ ٧٠ عام على مليون و ٢٠٠ ألف دولار.
ربما أكثر التجارب التي حدثت على البشر شراً هي التي تمت أثناء الحروب ومن أشهرها على الإطلاق هي التجارب الوحشية التي قام بها الظابط والطبيب الألماني جوزيف منغليه (josef mengel) والمعروف بإسم ملاك الموت.
أستخدام جوزيف السجناء في تجارب لا يوجد بها أي إعتبار للسلامة والصحة أو الإنسانية، حيث كان لديه ولع بالتوائم والأقزام والأشخاص الذين يعانون من تشوهات جسدية، كان يركز في تجاربه على إثبات تفوق العرق الآري، واعتداد على الاحتفاظ بعيون الضحايا الذين يفقدون أرواحهم أثناء التجارب.
وكان الأطباء النازيين يستخدمون السجناء لاختبار العلاجات ضد الأمراض المعدية والحروب الكيماوية، وفي هذه التجارب تم حقن السجناء بالأمراض وتعريضهم للجراثيم والغازات وسموم كيماوية، وفي محاولة لاختبار مستويات التحمل القصوي للطيارين.
قد عرض النازيين عدد من السجناء إلى درجات حرارة قارصة ووضعهم في غُرف الضغط المنخفض لقياس مدى استجابتهم الجسدية لهذه الظروف، وعدد من الأطباء المسؤليين عن هذه التجارب تمت محكمتهم كمجرمين حرب، في الوقت الذي كان فيه جوزيف أو ملاك الموت قد تمكن من الهرب إلى أمريكا الجنوبية ومات في أواخر السبعينيات بسكتة دماغية.
من أشهر التجارب التي حدثت على العبيد كانت العمليات التي قام بها الطبيب الأميركي جيمس ماريون (james marion) والمعروف بإعتباره أبو أمراض النساء الحديثة، أشتهر ماريون في منتصف الأربعينات من القرن التاسع عشر باستخدامه العبيد من النساء في اجراء عمليات جراحية تجريبية عليهن.
حيث كانت أكثر العمليات التي قام بها وأصعبها على الإطلاق هي عمليات الناسور المهبلي، وهي حالة تصاب فيها المريضة بتمزق بين المهبل والمثانة تؤدي إلى تسريب لا إرادياً للبول.
والنساء التي أُصيبت بهذه الحالة كانوا يعانين من رفص المجتمع لهم بسبب عدم قدرتهم على التحكم في نفسهم، والمشكلة في تجارب جيمس ماريون لم تكن لها علاقة بمحاولة علاجه للنساء لكن كانت الطريقة التي قام من خلالها بإجراء العمليات.
لم يكن يستخدم جيمس ماريون أي تخدير للمرضي لمثل هذا النوع من العمليات، والاسوا من ذلك أنه كان يُجري أكثر من عملية جراحية علي نفس المريضة وجميعهن دون تخدير، في حين أن البعض قد دافع عن جيمس ماريون وقال أن التخدير كان حديث في هذه الفترة.
إلا أنه علي الجانب الاخر لم يُجري هذا النوع من العمليات على النساء أصحاب البشرة البيضاء، والنساء العبيد التي تم إجراء العمليات عليهن لم يكن لديهن قرار في إجراء العملية بالقبول أو الرفض.
بل أن في محاضرة له في عام ٨٥٧ م رد على انتقاده بخصوص عدم تخدير المرضي بأن العملية من وجهة نظره أخف وأسهل من إستخدام التخدير فيها من الأساس.
خلال الحرب الباردة حاول الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية معرفة إمكانية نجاتهم من كارثة نووية، وماهو مقدار الاشعاع التي يمكن أن يتحمله البني آدم في حالة تعرضه لقصف نووي، وهذه المسألة كانت منفعة للولايات المتحدة الأمريكية لرعاية تجارب سرية على مواطنيين أمريكان مصابيين بالسرطان وكان معظمهم طبعاً من الأمريكان الأفارقة.
في الفترة من عام ١٩٦٠ م إلى عام ١٩٧١ م وبرئاسة إختصاصي الأشعة الأميركي يوجين سينجر تم إجراء تجربة تعرض فيها ٨٨ مريض بالسرطان لتجارب شعاعية كان معظمهم من الفقراء وأصحاب البشرة السمراء.
حيث قالوا للمشتركين أن التجارب الغرض منها محاولة علاجهم من السرطان ولم يذكروا السبب الحقيقي وراء التجارب ولا أنها مُمولة من وزارة الدفاع الأمريكية، حيث كانت نتيجة الكميات الضخمة من الإشعاعات التي تعرضوا لها هي وفاة ما يقدر ربع العدد من المرضي، بخلاف الغثيان والقئ وألام المعدة والارتباك النفسي للمرضي الذين نجوا من التجربة.
في إختبار للطبيعة البشرية قرر الأستاذ الفخري لعلم النفس في جامعة ستانفورد (Stanford University) فيليب زيمباردو (Philip Zimbardo) أن يصنع تجربة فريدة من نوعها للإجابة عن أسئلة من نوعية ماذا سيحدث عند وضع مجموعة من الأشخاص الطيبين في مواقف شريرة؟
هل سوف يحافظون على طيبة أخلاقهم ام أن هذه المواقف سوف تدفعهم لطريق اخر، أقام فيليب موقع يشبه السجن حيث دعا الطلاب في الجامعة أن يشاركوا في التجربة الخاصة به من خلال مشاركة طلاب تلعب دور الحراس والبعض الاخر دور المساجين.
حيث طلب من الطلاب التي سوف تلعب دور الحراس أن يكونوا ذات معاملة صارمة وشديدة مع السجناء وضروري أن يحافظوا على الانضباط في السجن ومنع أي شخص من الهروب، هذه التجربة كان مُخطط لها أن تستمر لمدة أسبوعين لكنها إنتهت بعد مرور ٦ أيام فقط.
مجموعة الطلاب القائمين بدور الحراس في ظرف يومين من بداية التجربة قد تحولوا إلى أشخاص ساديين كانت أهدافهم هو تعذيب السجناء وإذلالهم، لدرجة أنهم أجبروهم على خلع ملابسهم ورشهم بمواد كميائية، وعلى الجانب الاخر إنهارت مجموعة الطلاب من السجناء وقد أُصيبوا بحالة من الخوف والإحباط.
والعجيب في الأمر أن بقدر بشاعة التجربة إلا أنها أصبحت أساس فهم عُلماء النفس والمؤرخين عن كيفية تحول الشخص العادي إلى اخر شرير في حالة وضعه في مواقف يكون هو فيها صاحب السلطة.
في الفترة ما بين ١٩٤٦ م إلى ١٩٤٨ م تعاونت الحكومة الأمريكية مع حكومة غواتيمالا (Guatemala) في دراسة عن مرض الزهري (Syphilis)، كان هدفها هو إختبار مواد كيماوية لمنع إنتشار المرض حيث شملت الدراسة إصابة السجناء والمرضي العقليين في غواتيمالا بمرض الزهري عن عمد وبعدها تجربة المواد الكيماوية عليهم.
هذا الكلام كان دون موافقة من المشتركين، لكن أسوء وأبشع ما في الدراسة هي الطريقة التي كانوا يصيبوا بها تجاربهم من البشر بالزهري، الباحثين ارغموا الرجال على ممارسة ال ج ن س مع عاهرات مصابات بالزهري وأحياناً كانوا يجرحون أعضاء الحالة ووضع جراثيم مرض الزهري عليها.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتفي فقط بالاستعانة بالسجناء والمرضي في المصحة العقلية لغواتيمالا لدراسة مرض الزهري، بل استعانة أيضًا بمواطنين أمريكان لكن من الأمريكان الأفارقة.
واحدة من أشهر التجارب اللااخلاقية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كانت في عام ١٩٣٢ م عندما أطلقت خدمة الصحة العامة الأمريكية دراسة عن الآثار الصحية لمرض الزهري، وكان الهدف من الدراسة بعيد تماماً عن علاج المرضي، ولكن دراسة الأضرار الصحية وتطوراتها على المريض.
في هذا الوقت كانت الطرق العلاجية والأدوية المستخدمة ضد مرض الزهري معظمها سام وليس لها أي تأثير على المرض فقررت الولايات المتحدة الأمريكية أن تري إذا كان تأثير تطور نفسه على الحالات أفضل أو أخف من إستخدام الأدوية المتاحة وقتها.
أستهدفت الدراسة أكثر من ٤٠٠ مواطن أمريكي من أصول افريقية واستمرت إلى ٤٠ سنة تحت حجة زائفة وهي علاج الدم الفاسد، وحتي بعد ظهور البنسلين لعلاج مرض الزهري في أواخر الأربعينات لم يوفروا العلاج للحالات المشاركة، والتي لم تكن تعلم بماذا تصاب.
حيث استمروا في مواصلة الدراسة لمتابعة تطور الأعراض، وفي بداية السبعينيات ظهرت مقالة صحفية كشفت حقيقة الدراسة الجارية ووقتها قررت السلطات وقف التجارب ورحم الأشخاص من المعاناه، لكن هذا حدث بعد وفاة معظم الحالات وتعرض زوجات ٤٠ شخص منهم للإصابة بمرض الزهري.