بعض الدول والجُزر يتم الفصل بينهم بمسافات صغيرة من مياه البحار والمحيطات، مثل الدول التي تفصل بينها المضايق والخِلجان الصغيرة، وفي تلك الحالة ينص القانون الدولي للبحار على تقسيم ملكية المياه بين الدول حسب المسافة.
فكل دولة تُمارس سيادتها على نصف المسافة تقريبًا، حيث إذا كانت المسافات البحرية هذه عملاقة يتم حسابها بشكلٍ آخر، وكثيرًا ما تؤدي للمشاكل والخلافات، والتي تصل أحيانًا للحروب العسكرية.
ما هو قانون البحار؟
الميل البحري هو وحدة قياس تساوي 1852 مترا، وطبقاً لقانون البحار التي أقرته إتفاقية الأمم المتحدة، الـ12 ميل بحري الأقرب إلى الدولة هم المعروفين بإسم "منطقة المياه الإقليمية"، وهذه المنطقة تعتبر جزء من أراضى الدولة نفسها.
تمارس الدولة عليها سيادتها الكاملة وتكون قوانينها مُلزمة للجميع، بعد الـ12 ميل الأولى البحرية يأتي أيضاً 12 ميل بحري أخرين والمعروفين بإسم "المنطقة المتاخمة" أو المنطقة المجاورة لمنطقة المياه الإقليمية.
هذه المنطقة تمكن الدولة من ممارسة سيادة كاملة مع بعض الاستثناءات مثل المرور للسفن الأجنبية، أما بالنسبة للمنطقة الثالثة والتي عادةً ما تكون أكبر منطقة هي المنطقة المعروف بإسم "المنطقة الاقتصادية".
هذه المنطقة تمتد إلى 176 ميل بحري يعني تقريباً 370 كلم، تقتصر سيادة الدولة في هذه المنطقة على بعض الحقوق الاقتصادية فقط مثل الصيد - استغلال الثروات التنقيب عن الغاز والبترول وغيرهم ..وبعد المنطقة الثالثة تصبح المياه ملكًا للجميع وهي المياه المعروفة بإسم "المياه الدولية" .
قانون البحار هذا تمت صياغته على مدار سنوات طويلة إبتداءً من السبعينيات، لكن دخل إلى حيز التنفيذ الفعلي وأصبح مُلزم للجميع إبتداءً من عام 1994م.
جزيرة أوكينوتوريشما Okinotorishima
جزيرة أوكينوتوريشما والمعروفة اختصارًا بإسم جزيرة أوكينوتوري (Okinotori) هي جزيرة صغيرة جدًا تقع في بحر الفلبين بالقرب من المحيط الهادئ قرب المياه الإقليمية اليابانية، هذه الجزيرة كانت بداية معرفتها من قبل البشر في القرن الـ14 الميلادي من بعض البحارة اليابانيين الذين أطلقوا عليها أسم “جزيرة الشراعات الخمسة “.
الجزيرة على مدار السنيين تم نقل السيادة على أراضيها بواسطة عدد من الدول بسبب الحروب والنزاعات، حيث كانت أخر الدولة صاحبة السيادة عليها هي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استولت على هذه الجزيرة وغيرها من الجُزر اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية.
واستمرت هذه الجزيرة في حيازة الولايات المتحدة الأمريكية إلى عام 1968م، ومن بعد هذه السنة وافقت الحكومة الأمريكية على إرجاع الجزيرة إلى اليابان، بعدما بدأت العلاقات اليابانية الأمريكية في التحسن قليلًا بعد الحرب، وهذا بالإضافة إلى أن الجزيرة صغيرة جداً وأغلبها غارقًا تحت الماء.
اختصارًا أنه لايوجد مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية في بقاء هذه الجزيرة تحت سيادتها، والجزيرة عبارة عن نتوء صخري أغلبه تحت الماء محاطًا بالشعاب المرجانية، جميعها قديماً كانت مساحتها تبلغ 8 كيلومتر مربع فقط، لكن الآن مع إرتفاع منسوب مياه البحر كل ما تبقي منها فوق سطح البحر صخرتين فقط لا تزيد مساحتهم عن 10 متر مربع فقط.
لدرجة إنه من غير المُتفق عليه إذا كانت تعتبر جزيرة أو مجرد صخرتين تطفو على سطح المياه، خصوصًا أيضًا أنه على مدار السنين تلك الصخور الطافية والتي كانت تبلغ عددها 5 صخور أصبحت صخرتين فقط وأحياناً تصل إلى ثلاثة إذا كان هناك انحسارًا شديدًا للماء.
هل هما صخرتين أم جزيرة؟
بالنسبة للصخرتين الذين مازالوا يطفون على سطح الماء، فالصخرة الأولى كبيرة نسبيًا ويبلغ طولها 7.86 متر، أما الثانية فلا يتجاوز طولها 1.58 متر، وبالرغم من أن الصخرتين الصغيرتين يبعدوا عن العاصمة اليابانية طوكيو مسافة 950 ميل بحري.
إلا أنهم يبعدوا عن أقرب نقطة مُعتبرة في الأراضي اليابانية بحوالي 165 ميل بحري، وكما ذكرنا أن المنطقة الاقتصادية تمتد إلى مسافة 176 ميل بحري، إذا الصخرتين موجودين في منطقة المياه الاقتصادية اليابانية، لكن المشكلة الكبيرة هنا هو عدم إتفاق المجتمع الدولي على تعريف واضح ومحدد لمعنى كلمة جزيرة.
فكل ما ينص عليه قانون البحار إن الجُزر هي عبارة عن أراضً تشكلت بصورة طبيعية وتحيط بها المياه من كل جانب، أما الصخور فهي جُزر صغيرة لا يمكنها تدعيم الحياة البشرية والأنشطة الاقتصادية، وهنا يحدث كبيرة من المشاكل والأزمات نتيجة للتفسيرات المختلفة وقلة التفاصيل.
فالقانون لا يحدد تماماً أوضاع الجُزر الغارقة، يعني ذلك هل يتم النظر إلى الجُزر الغارقة هذه بمساحتها الفعلية بأكمله، أم يتم النظر إلى الجزء الذي يطفو فقط؟، بالإضافة إلى أن القانون لا يُحدد نوعية الأنشطة الاقتصادية التي من الممكن إنها تُلبي المعايير وتجعل هذه الصخرة تسمي جزيرة.
ونتيجة لذلك بدأ الخلاف، فمن وجهة نظر اليابان أن أوكينوتوري هي جزيرة غارقة وليست مُجرد صخرتين، وبناءً عليه، عملية إنقاذ الجزيرة الغارقة مازالت في الإمكان، أما بالنسبة للأنشطة الاقتصادية فمن الممكن إقامتها على مساحة الجزيرة المتوفرة وأصغر منها أيضًا.
وهو بالفعل ما فعلته اليابان فيما بعد، لكن على الجانب الآخر كثير من الدول وأهمها الصين ليست موافقة أبدًا على أن الصخور الصغيرة من الممكن تسميتها بالجُزر، وهنا تظهر مجموعة من الأسئلة ، وأولها: لماذا تهتم اليابان بهذه الصخور الصغيرة،
فإذا كان لهذه الصخور أي نوع من الأهمية، لما تخلت عنها أمريكا بهذه السهولة، وما علاقة الصين أو غيرها من الدول في بهذا الموضوع من الأساس.
أهمية صخور أوكينوتوريشما Okinotorishima
بالنسبة لإجابة التساؤل الأول والخاص باهتمام اليابان بالصخرتين فيعتبر الأبسط في الإجابة إذا تم اعتبار الصخرتين كجزيرة فاليابان وقتها ستبدأ في حسابات المياه الإقليمية والمياه المتاخمة والمياه الاقتصادية من بعد الصخرتين.
وذلك لأن إذا تم الاعتراف بالصخرتين كجزيرة سوف تصبح الأراضي يابانية ومو حق اليابان ممارسة كافة أنواع السيادة عليها، في ذلك الوقت سوف تتوسع مساحة اليابان الجغرافية بشكل مهول، بالإضافة إلى أن المساحات الشاسعة من المياه التي سوف تدخل تحت سيادة اليابان، حيث ستمارس اليابان عليها سيادة الأنشطة التي تريدها.
أما بالنسبة لاستغناء الولايات المتحدة الأمريكية عن الجزيرة يرجع السبب إلى أن أمريكا قامت بالتفريط في الجزيرة كما ذكرنا سابقاً عام 1968م أي قبل تشكيل قانون البحار عام 1994م، قبل هذا القانون كانت الدول تفرض سيادتها على 3 ميل بحري فقط لا غير.
أما بالنسبة لعلاقة الصين بالجُزر، أن جزيرة أوكينوتوري توجد في مكان يتوسط إقليم غوام (Guam) التابع للولايات المتحدة من ناحية والناحية الاخرى تقترب الجزيرة من تايوان والصين وكوريا.
لذلك الصين متخوفة من قرب أمريكا من أراضيها أو حتي بالقرب من أحد حلفائها وهو اليابان، لكن إذا استمرت هذه المياه كمياه اقتصادية، الصين وقتها ستتمكن من عمل أعمال مراقبة ونشر غواصات لتنشيط المنطقة وعمل إنذارات سريعة.
أسباب صرف اليابان مبلغ 600 مليون دولار لحماية الصخرتين
في عام 1987م قامت اليابان بصرف مبالغ كبيرة لحماية الصخرتين من التأكل والغرق تحت الماء، في البداية كانت المصاريف على شكل مصدات للأمواج بالإضافة إلى حواجز خرسانية وكميات مهولة من الحصى والرمال.
وفي عام 1988م استكملت اليابان مشروعها وقامت بإنشاء مرصد لمراقبة السفن بالإضافة إلى إنشاء موقع يعرف بإسم مركز اليابان للعلوم البحرية والتكنولوجيا، وهو الموقع الذي تم تشيده على جزيرة صناعية تم تدعمها بالكامل من التيتانيوم في مكان الجزيرة الغارقة.
وبعدما كان المكان يحتوي على صخرتين غارقتين وسط المياه تم إضافة صخرة ثالثة لهم من التيتانيوم لا تفارق المكان، أما بالنسبة للصين ادعت أن اليابان قد أنشأت قاعدة عسكرية متكاملة على الجزيرة وليس فقط مرصد للعلوم والتكنولوجيا.
وبغض النظر عن طبيعة النشاط الذي فعلته اليابان فالمبالغ المعلنة المصروفة من قبل اليابان وصلت إلى 600 مليون دولار أميريكي، حيث كان الهدف العام من هذه المصاريف الضخمة هو الحفاظ علي الصخريتن.
لكن اليابان تنتظر على أمل الحصول على موافقة دولية تنص على الاعتراف بالصخرتين كجزيرة وبالتالي تصبح أراضي يابانية كاملة السيادة ولذلك كان لابد من حماية الصخرتين بأي ثمن.