القصة وراء شعار الثعبان الموجود على واجهة الصيدليات
عند مرورنا من أمام إحدى الصيدليات نرى الشعار الخاص بالصيدلية كأس زجاجي أشبه بمخبار يحتوي على ثعبان يلتف حول الكأس، هذا الشعار تقريباً يتواجد في كل مكان بل أن هناك أوقات كثيرة يتواجد داخل المستشفيات والعيادات الطبية، ويأخذ الكثير من الأشكال ويتواجد على أكثر من هيئة.
فمن الممكن أن ترى عصا يلتف حولها ثعبان، واخر يحتوي على ثعبانيين لديهم أجنحة يلتفون حول بعضهم، فما علاقة الثعابين إذًا ؟ ، حيث أن الثعابين ليست مفضلة لدى البشر بل أن أغلب الأشخاص تشعر بالخوف منها وتتجنبها.
وتصور الثعبان ولدغاته في أذهاننا ما هي إلا دليل على الخوف والضرر والأفكار السيئة في حين أن مهنة الطب بوجه عام ترمز للسلام والصحة وهدفها هو الحفاظ على صحة البشر، فكيف لمهنة كالطب والصيدلة ترتبط بشعار مخيف مثل الثعبان.
حيث من المفترض أنه بمجرد رؤية شعار شيئاً ما يُعطينا إنطباع مبدئي عن ما هو هذا الشئء ومن خلاله يمكننا أن نأخذ نبذة سريعة عن ما يرمز إليه هذا الشعار مثل شعار الحمامة وغصن الزيتون الذي يرمز إلى السلام.
فالشعارات من السهل رؤيتها في اللافتات التنبيهية الموجودة في كل مكان مثل لافتات ممنوع التدخين وممنوع الركن أو الوقوف في هذا المكان، وهذا ما تهدف إليه الرموز والشعارت وهي بمجرد رؤيتها تمكنك من معرفة ما المغزى من الأشكال الموجودة فيه لكن هذا الأمر لا ينطبق على شعار الصيدليات.
في الحقيقة وجود الثعبان في شعار الصيدليات يوجد منه مغزى ومغزى عميق ولابد من معرفة قصته حتي تتمكن في النهاية من فهم القصد من وجوده علي شعارات الصيدليات بمجرد رؤيته.
بداية إستخدام رمز الثعبان كشعار للصيدليات
أول مرة تم إستخدام الثعبان فيها كشعار للصيدليات كان في عام ١٢٢٢ م، لكن القصة التي يرجع إليها السبب تعود إلى زمنًا أكبر، حيث تحكي القصة عن الحكيم الإغريقي "أسكليبيوس" والذي ينحدر من عائلة أتقنت الطب في زمنها وشاع عنهم أنهم يعالجون المرضى بلمسة واحدة من العصا خاصتهم أو لمسة واحدة من لسان الحية التي دائماً كانت توجد معهم.
قصة عصا أسكليبيوس - شعار الثعبان الملتف على عصا
قصة أسكليبيوس تحكي أنه كان ذاهباً في رحلة ترحال لكي يبحث عن بعض الأعشاب التي يستخدمها في صناعة الأدوية، وأثناء سفره قد اكتشف ثعبان شبه ميتًا مستلقياً على الأرض وبمرور لحظات ظهر ثعبان اخر ممسكاً في فمه عشبة غريبة، وبمجرد الاقتراب من الثعبان الميت فتح فمه ووضع العشبة بداخله وبعد وضعها بدأ الثعبان المستلقي على الأرض يستعيد وعيه ويعود إلى الحياة مرةً اخرى.
وهكذا تمكن أسكليبيوس من معرفة سر الصحة والحياة عن طريق الثعبان ولذلك أصبح الثعبان والعصا رمزًا وراءه قصة عجيبة، حيث انتشر لأسكليبيوس عدد كبير من التماثيل عند الاغريق القدماء وهو ممسكًا بالعصا الخاصة به والتي يلتف حولها الثعبان وتقف بجانبه ابنته التي كانت تساعده ممسكة في يدها كأس بداخله جرعات من الأدوية.
ومن هنا بدأ استخدام العصا الملتف حولها الحية كرمز للطب والصيدلة على مستوى العالم لسنوات عديدة وبمجرد أن الصيدلة قد انفصلت عن الطب أصبحت الحية والعصا ترمز للطب فقط بينما الصيادلة قد استحدثوا رمز جديد وهو الثعبان والكأس.
شعار الافعى علي الصيدليات دليل على إستخراج العقاقير
في الحقيقة يوجد الكثير من الآراء التي تذكر أن الثعبان يرتبط بشعار الطب والصيدلة لأسباب اخرى تماماً عن القصة المذكورة سابقاً وليس لها علاقة على الإطلاق، حيث يُذكر أن الافعى توجد في شعار الصيدليات كدليل على علماء الأدوية والصيدلة التي لديهم القدرة على إستخراج الأدوية من سم الافاعي والتي يعتبر شئ قاتل وهذا ما أثبته العلم الحديث بالفعل، حيث يوجد الكثير من الأدوية التي يدخل في تركيبها مواد موجودة في سم الافعى.
رمز الافعى عند الحضارات القديمة
بالإضافة إلى رآى ثالث يقول أن الافعى كان يرمز بها إلى الصحة والعلاج عند عدد كبير من الحضارات مثل الفراعنة واليونان، حيث كانوا يستخدمون بعض الافاعي الغير سامة في عمل طقوس معينة بغرض العلاج وكانوا يجعلوا هذه الافاعي تنتشر في المكان وتلتف حول المرضى.
بل ان الأطباء في العصور الوسطي والقديمة كانوا يذكروا ان سُم الافعى يكون قاتل إذا دخل مجرى الدم فقط، لكن إذا دخل من خلال الفم سيكون مفيد ولذلك كانوا يصيفوه للمرضى كعلاج.
حيث ادعوا ان ثم الافعى يحتوي على بروتينات تكون مفيدة للجسم إذا تم ابتلاعها بالإضافة إلى المنتجات والأدوية المستخلصة من الثعابين، ادعوا أيضًا أنها أدوية مفيدة ولها القدرة الكبيرة على الشفاء.
شعار الثعبان كناية عن الولادة من جديد
هناك مجموعة آخرى تعتقد أن الافعى تتخلص من جلدها القديم وتستبدله بجلد جديد كل موسم، وهذا كناية عن الولادة من جديد أو بدأ حياة جديدة والتي بدوره فيه إسقاط بشكل أو بأخر على مهنة الطب.
شعار الثعبان رمز للطبيعة المزدوجة
واخرون يرون أن الثعبان هو رمز للطبيعة المزدوجة لعمل الطبيب، يتعامل الطبيب مع الحياة والموت مع المرض والصحة والثعبان يعكس أيضاً غموض الأدوية لان كل الأدوية في العالم ممكن أن تكون مفيدة وممكن أن تكون مضرة وهذا نفس الحال مع الافاعي ومع السموم الخاصة به.
رمز الثعبان يرجع إلى العالم ابن سينا
بعض الأشخاص تري أن فكرة وجود رمز الثعبان في الصيادلة يرجع للعالم ابن سينا، يقولون عن ابن سينا أنه أدرك أن الفئران هي أحد الأسباب في إنتشار مرض الطاعون، ولذلك نصح الناس بأن يقتنوا بعض الثعابين السامة والغير سامة لتهاجم الفئران وتُحد من تواجدهم.
ونظراً لأن الافاعي تتغذي على الفئران فبالفعل قد نجحوا في تقليل عدد الفئران في المكان وبالتالي اختفت عدوى الطاعون تدريجياً ونظرًا لأن الثعبان تم استخدامه في مكافحة الطاعون فأصبح صديق للطبيب.
الثعابين والافاعي تمثل مشكلة للمجتمع الطبي
الرأي الأخير في الموضوع ممكن أن يكون هو أكثر الآراء منطقية، وهو إن الثعابين والافاعي بالنسبة للمجتمع الطبي تمثل أحد أصعب المشكلات التي يتعرضوا لها، وذلك لان معالجة سُم الثعبان داخل جسم الإنسان ليس بالأمر الهين بالمرة.
وكل نوع من السموم له مصل معين خاص به حتي يتمكن من تلاشي تأثيره، حيث يقال عن بعض الافاعي أنها تتمكن من تغيير تركيبة سُمها من وقت لآخر، وبالتالي نوع المصل المضاد لها يحتاج إلى التغيير.
ولكن بالرغم من ذلك مازال الأطباء والصيادلة بإمكانهم التعامل مع هذه السموم مهما تغير تركبيها أو هيئتها، كل هذه التفسيرات كانت مجتمعة أن الافعى تكون مناسبة لمهنة الطب والصيدلة بشكل أو بآخر.
عدم إستخدام شعار الثعبان للصيدليات في الكثير الدول
هناك جدل كبير حول الشعار الخاص بالصيدلة وهناك عدد كبير من الدول لا تستخدم الشعار المذكور حيثُ قاموا باستبداله بشعارات ورموز اخرى، وتجنبت الكثير من القصص والعمق وقامت باستخدام رمز بسيط يرتبط بالصيدلة والطب بشكل كبير حيث بمجرد النظر إليه يُمكنك من استنتاج المقصود منه دون الحاجة لمعرفة قصص وأساطير لفهم ماوراء الشعار أو المغذي.
لذلك في بعض الدول الصيدليات وشركات الأدوية يستخدموا في الشعار الخاص بهم وعاء بالإضافة إلى مدقة خشبية بداخله، حيث يمثل الوعاء التي يتم وضع التركيبات بداخله والمدقة هي التي تستخدم في طحن الأعشاب وخلط الأدوية مع بعضها البعض، لان هذه هي الوسيلة التقليدية والقديمة التي كان يتم استخدامها في تركيب الأدوية والعقاقير.
شعار الصيدليات في الولايات المتحدة الأمريكية
الولايات المتحدة الامريكية لديها شعار اخر ألا وهو صليب باللون الأخضر، وهذا هو نفسه الرمز المنتشر في فرنسا وبلجيكا وآيرلندا وإيطاليا وأسبانيا بالإضافة إلى الهند والأرجنتين ودول اخرى كثيرة، وذلك لأن الصليب عندهم مرتبط بوحدات الإنقاذ والحماية العسكرية الميدانية
مثل مؤسسة الصليب الأحمر ولكي يميزوا بين الصليب الأحمر الخاص بالمستشفيات والصليب الخاص بالصيدليات ومقرات تركيب الأدوية، قد قرروا بتغيير لونه إلى اللون الأخضر.
حيث يرجع سبب اختيار اللون الأخضر إلى الملابس التي كان يرتديها الصيادلة والأطباء أثناء فترات الحرب وأثناء تأديتهم لمهام مداواة المرضى والجرحى، ناهيك عن ذلك أن الأصل في كل الأدوية هي النباتات فلذلك اللون الأخضر هو اللون المناسب.
لكن الموضوع مازال قيد النقاش في ان السبب في وجود الثعبان على شعار الصيدليات يرجع إلى الأسطورة الإغريقية القديمة لأسكليبيوس.
تغيير شعار الصيدليات ليحمل الهوية العربية
الرافضين للشعار يقولوا ليس من المنطقي إستخدام الشعار لوقتنا هذا والأولوية في إستخدام شعار أو رمز اخر يعبر عن مهنة الطب والصيدلة بشكل أكبر، أو إستخدام شعار يعكس تاريخنا وهويتنا العربية، لأن العرب هما اللذين لهم السبق في مجالات الصيدلة والكيمياء والطب وهذا بشهادة دول الغرب نفسها التي استمدت أغلب العلوم من العرب.
بعض جهود العرب في تطوير علوم الطب والصيدلة
العرب هم مكتشفي القلويات والأحماض وابتدعوا مركبات جديدة كالكحول وحامض الكبريتيك وأكسيد الزئبق والأنتيمون وغيرها، وقدا ادخلو عدد كبير من العقاقير النباتية في المجال الطبي والتي كان يجهلها علماء الاغريق نفسهم.
بل ان الدول الأوروبية تشهد ان العرب هم أول الأشخاص اللذين وصلوا بعلم الصيدلة إلى الصورة الحالية وهم أول من رتبوا الأدوية ونظموا استخدامها، بالإضاقة إلى عرض الأدوية في حوانيت أو محلات بطريقة مرتبة ومنظمة والتي تطورت فيما بعد حتي أصبحت شكلها الحالي الحديث، فلماذا لا يتم تغيير الشعار صاحب الأصل الاغريقي واستبداله بشعار اخر يعكس هوية العرب وثقافتهم.