إن أعظم الشخصيات عبر التاريخ، كانوا قليلي الكلام مترفعين عن الخوض في الأحاديث العابرة، ولأنهم امتازوا بالصمت عن التفاهات، قد اكتسبوا الوقار والاحترام.
في هذا المقال سنتعرف على كيفية إتقان فن الصمت المصحوب بالحكمة، وتأثيره على شخصيتك ونظرة الآخرين إليك، لكن قبل ذلك دعونا نتعرف على مزايا الصمت وفوائده..
لماذا الصمت لغة العظماء؟ - فوائد الصمت
قيل قديماً ليس كل ما يعرف يقال، عندما تكون قليل الكلام فأنت تقول ما هو مهم فقط، ويصبح وقع كلماتك في نفوس الآخرين أكثر قوة وأهمية، فبضع من الكلمات في الوقت المناسب، يكون لها تأثير أكبر بكثير من ساعات طويلة من الأحاديث غير مهمة.
يجب على الإنسان أن يتحلى بعزيمة هائلة لامتلاك القدرة على الصمت، ولأن ذلك ليس بالأمر السهل على الإطلاق، ستتعلم خلال رحلتك للوصول إليه المثابرة والإصرار، وتكتسب القدرة على تحدي ذاتك لتحقيق كل ما تريد.
من كثر كلامه كثر خطؤه، وكثر لجوءه إلى الكذب أيضًا حتى لو لم يقصد ذلك، بإمكانك مراقبة نفسك للتأكد من هذه الحقيقية، فالصمت المدروس يعطيك القدرة على قول الصدق عند الحاجة، والاكتفاء بعدم الكلام بدلًا من توريط نفسك في مواقف محرجة.
يؤدي الإفراط في الكلام إلى زيادة صخب الأفكار المزعجة في الدماغ، بينما يتيح الصمت للإنسان مساحة للتخلص من الأفكار السلبية، ويساعد على جعل التركيز مُنصبًا على الأفكار الإيجابية والفعالة.
كلما كثر كلامك ارتفع شعورك بأنك محور الكون الوحيد، بينما يعلمك الصمت كيفية تقدير الآخرين، وأخذ كلامهم ومشاعرهم في الاعتبار كما يستحقون.
يربي الصمت داخل الإنسان ملكة الاهتمام بالطرف الآخر، فعندما يبدأ من حولك بالشعور باهتمامك الجاد بهم، ينعكس ذلك إيجابًا على نظرتهم إليك وثقتهم بك، ورغبتهم في الحديث معك بشكل أكثر صدقًا وعمقًا.
من المعروف أن الأفعال أبلغ من الأقوال، فعدم الاهتمام بالجدالات التي لا طائل منها، يزيد من التركيز على العمل وتأثيره في الواقع، كما أن العمل في صمت يكون متقنًا أكثر بأضعاف عن العمل الذي تسود فيه الثرثرة غير المهمة.
يعطيك الصمت الوقت الكافي لترتيب أفكارك واسترجاعها عند الحاجة، ويمنحك القدرة على التركيز في المعلومات المهمة فقط، مما يساهم في تحسين الذاكرة والتذكر لديك بشكلٍ ملحوظ.
يرفع الميل إلى الصمت مستويات الانضباط في الأفعال والأقوال، ويجعل الوعي مسيطرًا على كافة التحركات والسكنات، فالصمت يساعد على الانفصال عن الأصوات الخارجية، ويعزز القدرة على التناغم مع الأصوات الداخلية.
ينمي الصمت في الإنسان القناعة والرضا بالموجود، فلا حاجة للحياة الفاخرة والبذخ للوصول إلى السعادة، بل يمكن الاستمتاع لأقصى درجة من خلال التأمل والاسترخاء.
والآن دعونا ننتقل للتعرف على أهم نقاط إتقان فن الصمت.. والذي قيل عنه دائمًا إنه لغة العظماء، فعلي الرغم من اختلاف قدرات البشر وظروفهم الحياتية، وأساليب التربية التي تعرضوا لها في طفولتهم.
كل ما سوف تحتاجه هو الإرادة الصادقة لتغيير نفسك، والحرص على تطبيق الخطوات التي سوف نذكرها إليك.
خطوات إتقان الصمت
حاول أن تلتزم الصمت عند الحديث مع الأشخاص الذين لا يتركون مجالًا لأحد بالكلام، ولكن كن حريصًا على عدم إيذائهم في نفس الوقت، ويكون دور الصمت هنا تهيئة الموقف لإنهاء الحديث بأسلوب لبق، بدلًا من الاستمرار في إضاعة الوقت.
يعتبر هذا التمرين من أفضل الطرق لاكتساب مهارة الصمت، حيث يتم تطبيقه من قبل السياسيين والدبلوماسيين، وقد أثبت فعالية مذهلة عند المواظبة عليه لمدة كافية، كل ما عليك هو اتخاذ قرار بالبقاء صامتًا لمدة معينة مهما قد حصل أمامك، وتكرار هذه العملية كل بضعة أيام مع زيادة فترة الصمت قليلًا، وسوف تلاحظ النتائج المُبهرة في غضون أسابيع.
من المعروف أن مراقبة الطبيعة توسع المدارك وتصفي الذهن، وهذا ما يساعد بشكلٍ فعال على تهدئة صخب الأفكار، حاول أن تواظب على قضاء نصف ساعة في اليوم مع الطبيعة بمفردك، لرفع كفاءتك في السيطرة على كلماتك وانفعالاتك.
ينم ذلك من خلال التريُث في التعبير عمّا يدور في ذهنك، وأخذ الوقت الكافي لسماع جميع آراء الآخرين، وسوف تلاحظ مع الوقت أهمية هذا التصرف في جعلك تقول الرأي الأفضل، عوضًا عن الرد باستعجال قبل رؤية جميع زوايا الموضوع.
قد تكون هذه النقطة من أهم النقاط وأصعبها في نفس الوقت، لكن القدرة على تأجيل رد الفعل قليلًا، سيكون لها تأثير كبير في تعزيز استطاعتك تدريجيًا للتحكم بكل كلمة تقولها.
المطلوب هو الاستمتاع لما يساعد على الاسترخاء ويبعث فيك الراحة، سواء كان ذلك مقطعًا من القرآن يبث فيك السكينة، حاول أن تمنح نفسك نصف ساعة يوميًا للاستماع فقط، دون القيام بأي شيء آخر.
كما أنه يجب التروي قبل الكلام، كذلك يجب الانتباه أيضًا إلى أبعاد الكلمات التي تقولها، فبعض العبارات قد تفتح عليك أبوابًا لا يمكن إغلاقها، وبعض العبارات الأخرى تكون بمثابة قفل تنهي به الحديث وتعصم نفسك من الزلل.
ليس المقصود هنا كتابة قصة محبوكة أو رواية طويلة، وإنما تدريب النفس على البوح بالمشاعر والأفكار بشكلٍ مكتوب، حتى ولو بعبارات فوضوية وغير مترابطة، مثل تدوين المذكرات اليومية والخواطر الشخصية ، هذا سوف يخفف الرغبة الشديدة في الكلام مع الآخرين، عن أشياء قد لا يكون من الجيد كشفها أمامهم.
تعتبر اليوغا من أشهر الطري لممارسة التأمل الصامت، وسرعان ما يلمس الشخص أثرها على نفسيته وقدرته على التحكم بذاته، فهي وسيلة فعالة للحفاظ على الهدوء لأطول فترة ممكنة.
إذا كنت شخصًا اجتماعيًا جدًا ولديك الكثير من العلاقات، فأنت على الأرجح كثير الكلام بعض الشيء ، وهذا سيعيق وصولك إلى الدرجة التي تريدها من القدرة على الصمت، جرب البقاء وحيدًا لفترة وجيزة لتمنح نفسك المساحة الكافية للتدرب على جميع النقاط السابقة، وكلما كنت مصممًا على تغير نفسك، ازدادت عزيمتك على تحدي طبيعتك، الأمر ليس سهلًا لكنه يستحق العناء من أجله.
إقرأ أيضًا :