الكثير منا يرى أن العالم قد تغير منذ عام 2019 فالكثير يشعرون بحالة من التوهان وأن وتيرة الحياة سريعة، لدرجة أن أغلب الأشخاص لا يصدقون أن سنة 2024 قاربت على الانتهاء وكأن سنة 2019 كانت السنة الفاصلة، لكن هل يا ترى هذا الشعور حقيقي؟ أو بمعنى آخر هل كان العالم مختلفًا فعلًا قبل عام 2019 ولماذا هذا العام تحديدًا؟
لماذا نشعر أن العالم تغير من بعد عام 2019
على مر الزمن العالم مر بأحداث كبيرة، أحداث جعلت كل شيء قبلها مختلفة عن كل شيء بعدها مثل الحرب العالمية الأولى والثانية، إنهيار الاتحاد السوفياتي، اختراع الإنترنت وغيرهما، أحداث كانت في غاية الأهمية وقد أثرت على العالم بأكمله لسنوات طويلة بل غيرت شكل الحياة بالكامل.
وأكثر ما يميز هذه الأحداث أنها لم تحدث متتالية خلال سنة واحدة فقط بل حدثت على فترات متباعدة ، كل حدث كان يفصل بينه وبين الاخر عشرات السنيين، لكن عند النظر على العالم منذ عام 2019 تحديدًا وإلى وقتنًا الحالي سنجد وقوع أحداث كثيرة أثرت على العالم.
وهنا لا نتكلم عن حدثين فقط أو ثلاثة بل نتكلم عن عشرات الأحداث بل إننا لن نبالغ إذا ذكرنا أن الخمسة أعوام السابقة منذ عام 2019 لـ 2024 مر العالم بأحداث لم تحدث على مدار الـ 50 سنة الماضية، أحداث سياسة، أحداث اقتصادية، أمراض وأوبئة، أحداث تورط العالم فيها بأكمله.
بدأت سنة 2020 بمصطلح جديد له تأثير كبير على حياة الناس وهو "covid-19" ظهر في أوهان في الصين للمرة الأولى وبعدها أخذ ينتشر من مقاطعة للاخرى إلى أن خرج من الصين تمامًا وانتشر في باقي دول العالم، فقد أصاب covid-19 ما يبلغ 700 مليون إنسان وتسبب في وفاة أكثر من 7 مليون، حيث ظل الجميع معزولًا داخل منازلهم لأشهر طويلة وكثير من الأنشطة الطبيعية توقفت تمامًا.
لماذا تغيرت الحياة بعد 2019
الشاهد من هذه القصة أن الأحداث الكبيرة تتعلق في الذاكرة بشكل قوي ويمكن تذكرها بوضوح، وتعتبر جائحة كورونا هي أكبر حدث حدث في حياتنا جميعًا تقريبًا، لا يوجد منصة إعلامية لم تتحدث عنه، إحصائيات الإصابات والوفيات كانت تُنشر بشكلٍ يومي.
المصالح الحكومية والأماكن العامة كانت جميعها مغلقة لفترة طويلة وعندما عادة مرة آخرى فتحت بقيود صارمة وأستمر هذا الوضع لأكثر من 18 شهرًا، ولذلك أحداث كورونا في أواخر عام 2019 و2020 تم حفرها ف أذهاننا وهذا هو أكثر سبب يشعرنا أن هذه السنين كانت قريبة وليست بالبعيدة.
بالإضافة إلى أن فترة الحجر المنزلي غيرت الكثير في أشكال الحياة منها الإيجابية ومنها السلبية، من الايجابيات فكرة إنتشار التعليم عن بعد، المدارس والجامعات جميعها كانت مغلقة وكان البديل الوحيد هو الإنترنت، وهذا الموضوع جعل التعليم أسهل من قبل وشجع الكثير على تعلم مهارات جديدة، لدرجة أن سنة 2019 كان عدد الطلبة المستخدمين التعليم عن بعد بلغت حوالي 36% من إجمالي الطلاب في العالم، ولكن في سنة 2020 بلغت هذه النسبة إلى 74%.
على الجانب الآخر حدثت الكثير من السلبيات وأهمها انتشار ثقافة المقاطع القصيرة shorts والـ Reels وهذا أثر بشكل سلبي على التركيز العام للأطفال والشباب على مستوي العالم، بالإضافة إلى ذلك الحالة الاقتصادية العامة أصبحت غير مستقرة والكثير من الناس خسروا أشغالهم، وأيضًا التباعد الاجتماعي الذي حدث وتسبب في عزلة ووحدة لأغلب الناس، وهذا الموضوع قد زاد من معدلات القلق والاضطراب والمشاكل النفسية عند الكثير من الأشخاص والتي استمرت معهم إلى وقتنا الحالي.
فهناك مشروع بحثي تابع لجامعة ديوك (Duke University) تم اجرائه على 5000 شخص لدراسة حالتهم النفسية بعد انتهاء الوباء، فقد لاحظوا أن 40% من هذه الأشخاص مازالت تعاني من اكتئاب متوسط، و 25% يعانون من اكتئاب شديد وهذا على عكس حالتهم الطبيعية قبل سنة 2020.
ويوجد استطلاع عام أجرته مؤسسة بروكينغز (Brookings Institution) على 1000 شخص بعد انتهاء الجائحة بعامين حيث بلغت نسبة 30% من الشباب قالوا نصًا أنهم لا يستطيعوا السيطرة على حياتهم ويشعرون أن الأيام هي التي تحركهم.
بإلإضافة إلى دراسات آخرى تم إجرائها على أشخاص تثبت وجود تغير كبير لدي الأشخاص بعد جائحة كرونا، فقد أصبحوا أقل تعاونًا وثقة في أنفسهم ومتوترين ومتقلبين أغلب الوقت، وهذا يوضح أن الجائحة التي حدثت في الفترة ما بين عامي 2019 - 2020 فعلًا غيرت العالم وأثرت على نفسية الكثير بشكل كبير.
لكن هل الموضوع متوقف على جائحة كرونا فقط؟، في الواقع الإجابة لا، فكما وضحنا سابقًا الخمسة سنوات السابقة حدثت بها الكثير من الأحداث المتتالية، اينعم أقلها حدة من جائحة كرونا وليس بتأثيرها وحجمها إلا أن ما زالت أحداث كبيرة تحدث تلو الأخرى.
أسباب تغير الحياة بعد سنة 2019
- أولًا حرائق الغابات الضخمة التي حدثت بشكل غير مسبوق في البرازيل واستراليا في أوائل 2020، والتي تم تصنيفها كأعلى موجة حرايق حدثت على الإطلاق وخسائرها بلغت نصف مليار حيوان في الغابات الاستوائية.
- بإلإضافة إلى الفيضانات والانهيارات الأرضية العنيفة التي حدثت في مدينة جاكارتا في إندونيسيا، وفيضانات آخرى حدثت في دول الخليج، والقارة القطبية الجنوبية سجلت أعلى درجة حرارة لها على الإطلاق وهذا الأمر غير مُبشر إطلاقًا، وأيضًا سقوط الثلج في بغداد للمرة الثانية منذ حوالي قرن.
- أسوان المصرية سجلت أعلى درجة حرارة بشكل غير مسبوق 50 °C درجة مئوية، زلزال بقوة 6,4 درجة ضرب جزيرة بورتوريكو والذي صُنف كأقوى زلزال ضرب الجزيرة على مدار قرن كامل، وزلزال آخر بقوة 7,8 ضرب تركيا وسوريا وأثر على كثير من البلدان العربية وهو وأقوي زلزال حدث في هذه المنطقة في العصر الحديث، وتسبب في وفاة أكثر من 50 ألف إنسان.
- صندوق النقد الدولي حذر أن الاقتصاد العالمى سوف ينكمش بنسبة 3% نظرًا للإغلاق الذي حدث في العالم بأكمله نتيجة جائحة كورونا، والذي يعتبر أكبر تباطىء حدث في الاقتصاد العالمى منذ أيام الكساد العظيم إلى وقتنا الحالي، منظمة التجارة العالمية توقعوا إنخفاض التجارة العالمية بنسبة أكبر من الأزمة المالية سنة 2008، بإلإضافة إلى الأزمة العالمية للطاقة وارتفاع أسعار النفط.
- انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انسحاب أمريكا من افغانستان بعد مدة بلغت 18 سنة، وأخيرا، الحرب المستمرة على أهلنا وأخواتنا وانتشار الوعي بخصوص القضية بين الشباب في العالم بأكمله بغض النظر عن ديانتهم وجنسيتهم، ظهور مرض جدري القروض، انتشار مرض الفطر الأسود في الهند، تفشي حمى الضنك في أمريكا الجنوبية.
- تطور غير مسبوق في أجهز الذكاء الاصطناعي Ai والذي بدوره سوف يتسبب في اختفاء أغلب الوظائف، وغيرها كثير من الأحداث العالمية المؤثرة والمهمة والتي حدثت في مدة قصيرة جدًا من عمر الزمن.
سبب شعور الكثير بأن الزمن توقف عند سنة 2019
والمتخصصون في علم النفس يقولون إن الأحداث العالمية عندما تحدث بشكل مُتتابع تجعل الناس في جميع أنحاء العالم تشعر بعدم الاستقرار والأمان، ويكونون في حالة دائمة من الخوف من المجهول، وهذا بدوره يجعل أهدافهم وطموحاتهم وأولوياتهم تتغير بشكل مستمر حتى ولو كانوا بعيدين عن المشاكل والأحداث التي تحدث.
جميع ما ذكرنا هو السبب في أن الجميع يشعر بحالة من الصدمة منذ عام 2019 وأن العالم تغير، وعند موازنة الفترة التي نعيشها حاليًا موازنة بالأحداث المأساوية قديمًا على مر الزمان فهي تعتبر فترة مسالمة بنسبة كبيرة.
- تجنب متابعة الأخبار، دعها تأت إليك ولا تبحث عنها أنت
- التركيز في عملك أو دراستك والبعد عن المشتتات
- ممارسة الرياضة والالتزام بها
- زيارة الأقارب ومقابلة الأصدقاء
- وأخيرا، نوصيكم بقراءة القرآن والدعاء لإخوانكم المستضعفين