12 ألف طن من قشور البرتقال تتحول إلى غابة بعد مرور 16 عام

تقع دولك كوستاريكا في الجزء الشمالي من أمريكا اللاتينية، وتتكون كلمة كوستاريكا من مقطعين، كوستا Costa ومعناه الساحل، وريكا Rica معناها الغني، أي في النهاية معناها الساحل الغني، دولة كوستاريكا والتي تبلغ مساحتها 0,03% من مساحة اليابس تحتوى بمفردها على 6% من التنوع البيولوجي على وجه الأرض، بمعني أن كل متر من أراضي كوستاريكا يعتبر من أجود أنواع الأراضى.

12 ألف طن من قشر البرتقال يتحول إلى غابة بعد مرور 16 عام

بالإضافة إلى أن شعب كوستاريكا نفسه يُعرف عنه أنه من أكثر الشعوب المحافظة علي البيئة والمحميات الطبيعية، لكن بالرجوع بالذاكرة سنة 1995 نجد عكس ذلك تمامًا، في واحدة من أهم الحدائق الوطنية المعروفة بمحمية "جوناكاستي" (guanacast) بدأت الحكاية.

مجموعة من سيارات النقل الثقيل بأعداد ليس لها حصر محملة بأطنان من النفايات مقتحمة الحديقة وإلقاء النفايات بداخلها، أطنان وأطنان لا يظهر منها إطلاقًا سوا لونها البرتقالي، الشرطة تتواجد في المكان ولا تتصدر لهذا الفعل بل على العكس تقوم بمساعدة السيارات في الدخول، حيث كانت هذه النفايات المحملة عبارة عن أطنان من قشر البرتقال، ولمعرفة أصل الحكاية منذ بدايتها والسبب في هذه الفوضي لابد من الرجوع بالزمن.

12 ألف طن من قشور البرتقال تتحول إلى غابة بعد مرور 16 عام

التغيرات المناخية وقتها أثرت على سلامة التربة في محمية جواناكاست وبما أننا ذكرنا أن شعب كوستاريكا من أكثر الشعوب المحافظة علي بيئتهم، فكان من الطبيعي من الشعب والحكومة عدم تجاهل تلف الأرض، فقد تم تكليف بعثة علمية مكونة من عالميين اثنين لدراسة حل لهذه المشكلة.

وقد قرروا تنفيذ خطة مبتكرة لم تكن معروفة وقتها من القرن العشرين، وكما ذكرنا أن قشر البرتقال يستخدم كسماد طبيعي لكنه يحتاج إلى بعض العمليات ليصبح جاهزًا بالإضافة إلى أن تكون كمياته محسوبة وليس كميات مهولة كما استخدمها الجماعة السابقة.

وهذا يرجع إلى أن الكميات المهولة من الممكن أن تضر الأرض ولا تفيدها، بالإضافة إلى أن كمية السماد لابد أن تكون أقل من المحصول وليس أكثر منه، فسماد قشر البرتقال من أغلى الأسمدة العادية في العالم، فليس من الطبيعي أن يشتري شخص محصول البرتقال لاستخدام قشره في السماد، لكن كيف تم جمع هذه الكمية المهولة من قشر البرتقال وبسعر رخيص؟

الحل كان مصانع وشركات عصير البرتقال، بالقرب من محمية جواناكاست كان يوجد مصنع ضخم لإنتاج عصير البرتقال تابع لشركة تسمى "DELORO"، حيث كانت الخطة المرتبة هي الاتفاق مع المصنع على إلقاء النفايات الخاصة به في فناء الحديقة الوطنية التي بجواره، وهكذا يتم توفير المصاريف الكبيرة التي كان سوف يتم إنفاقها من عمالة وأكياس قمامة ومبيدات حشرية، ووقود للنقل وغيرها.

حيث كان هذا العرض مغريًا للشركة والتي قبلت به على الفور، حيث تم توقيع العقد مع هذه الشركة لمدة 20 سنة، وكان موجب هذا العقد هو نقل ربع مليون طن من قشر البرتقال إلى محمية جواناكاست.

العقد الذي كان من المفترض أن يستمر لمدة عشرون عامًا بدأت تقابله المتاعب بعد عام واحد من التنفيذ، للأسف كانت الغيرة هي النار التي تهدد نجاح المشروع وهي غيرة المنافسين.

العرض المغري التي وافقت عليه شركة DELORO جعل الشركات المنافسة والتي تتكلف مصاريف باهظة للتخلص من النفايات الشعور بالغيرة، حيث كان توفير النفقات التي حصلت عليها الشركة جعلتهم يخفضوا من سعر المنتج الخاص بهم، فكان هذا من وجهة نظر المنافسين أمرًا في غاية الخطورة.

حيث بدأت عمليات التشهير والشكاوي والتي وصلت إلى نهاية المطاف إلى المحكمة إلى أن أصبحت القضية رأى عام، وفي خلال فترة زمنية بلغت عامين وبعد نقل تقريبًا 12 ألف طن من قشر البرتقال توقف كل شئ، وكان الحديث الرائج كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يلوثوا الحديقة الوطنية حيث يعد هذا الأمر عرضة لانتشار الأمراض.

12 ألف طن من قشور البرتقال تتحول إلى غابة بعد مرور 16 عام

قامت حرب إعلامية شرسة ضد هذه الشركة، حيث ما تم تقديمه من درسات ومستندات لصالح هذه الشركة لم تفيد الشركة إطلاقًا، فلم يقتنع أحد بسلامة الفكرة فقد إنقلبت الخطة ضد الزوجين وشركة DELORO وكانت النتيجة النهائية إغلاق المشروع تاركين أطنان قشر البرتقال على مساحة بلغت 7 أفدنة، وبعد صدور الحكم عام 1997 تم إلغاء الفكرة.

بعد مرور 16 سنة من إلغاء موضوع قشر البرتقال وتحديدًا عام 2013، مجموعة من الباحثين من جامعة أمريكية قد قرأوا عن الموضوع حيث أثارت الفكرة أذهانهم إلى حد كبير، وقد راودتهم فكرة السفر إلى كوستاريكا والنظر على قشر البرتقال الموجود هناك وكيف أصبح بعد مرور 16 عام.

وبالفعل اتجه الفريق إلى محمية جواناكاست تحت قيادة عالم البيئة "Timothy Treuer" وكان من المفترض أن يجد الفريق 7 أفدنة من قشر البرتقال بكل سهولة من خلال لافتة كبيرة موجودة في المكان، ولكن المفاجأة عندما وصلوا إلى المحمية لم يتمكنوا من العثور على اللافتة البالغ طولها مترين.

كانت اللافتة قد اختفت تمامًا وسط غابة مطيرة من الأشجار العالية، وأما بالنسبة للتربة التي كان يُذكر أنها منطقة قاحلة غير صالحة ورديئة اختفت تمامًا ولم يعد لها أثر إطلاقًا.

12 ألف طن من قشور البرتقال تتحول إلى غابة بعد مرور 16 عام

المحمية جميعها أصبحت مُزدهرة وهي عبارة عن غابة كثيفة، فمع استمرار البحث والعثور على منطقة الـ 7 أفدنة، فقد أحصى الباحثين 24 نوع مختلف من الأشجار على عكس باقي مناطق المحمية والذي كان ينتشر فيها 8 أنواع للأشجار فقط لا غير.

فكان من الواضح أن فكرة الزوجين أدت المهمة المطلوبة، وهذا ما تم التأكد منه بعد ذلك من خلال تحليل التربة، لكن ماذا حدث؟

من الناحية العلمية لا يمكن لأحد معرفة ما الذي حدث، هذه التجربة بناءًا على كلام العالم Timothy كانت تحتاج إلى رقابة مستمرة وتسجيل بيانات بشكل يومي، فتحديد نتيجة تفصيلية دون وجود أي نتائج ستكون إجابة غير علمية.

ولكن المؤكد أن قشر البرتقال ساعد في تعافي الأرض بشكل سريع أكبر من المتوقع، ومن الواضح أنه حدث قمع للحشائش الضارة والغازية وتمكنت العناصر الغذائية المتوفرة في قشر البرتقال من العمل كمضادات للسموم والآفات المؤثر على الزرع.

ويذكر العالم timothy أن قشر البرتقال كان سبب، لكن هذا لا يعني أن أي شركة تقوم برمي النفايات في أي مكان، ما حدث في محمية جواناكاست حالة خاصة ساعد على حدوثها المكان والمناخ والقشر المناسب.

مناخ كوستاريكا الرطب القريب من خط الاستواء يختلف عن مناخات الدول الباردة، كنوع قشر البرتقال بل أن الحشرات المنتشرة في المحمية مختلفة عن الحشرات الموجودة في أي مكان آخر،ولذلك لا يمكن أخذ التجربة كما هي وتنفيذها في مكان آخر.

لكن من وقت تصريحات العالم Timothy ومازالت الأبحاث مستمرة على البرتقال وقشره والأنواع المناسبة منه لكل نوع من التربة.


إقرأ أيضاً :

 لماذا قامت اليابان بصرف مبلغ 600 مليون دولار لحماية صخرتين؟!

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-