في البداية دعونا نوضح أن الأوزان بشكل عام لم تظهروا فجأةً من العدم، الكيلوجرام الذي نستخدمه حاليًا هو نتاج لمحاولات كثيرة جدًا من البشر دامت لآلاف السنيين.
على مر العصور واحتياج الانسان إلى المعاملات التجارية والمقايضة وتبادل السلع، كان لابد من وجود نظام من خلاله يتم معرفة قيمة الشيء المملوك وإلا لن تتم المعاملات بشكل سليم.
و بالتالي كان لابد من ظهور وحدة ثابتة للأوزان يلتزم بها الجميع، ولذلك نجد جميع الحضارات القديمة كان لديها وحدات معينة تستخدمها لإتمام هذه العملية.
قياس الوزن في الحضارة المصرية
في الحضارة المصرية القديمة كانت الأوزان معروفة خلال فترة المملكة القديمة نفسها قبل عصر الأسرات لكن في أوائل عصر الأسرات ظهرت وحدة قياس كانت تعرف بإسم "ديبن" (Deben)، وكانت عبارة عن قطعة من الحجر كان يطلب الملك من النحاتين بصنعها وكتابة اسم الملك عليها، وبعد ذلك يتم استخدامها من قبل التجار والبائعين في عمليات البيع والشراء، ولكن الغريب في الأمر أن كل ملك جديد يأتي كان يصنع ديبن جديد خاص به وأيضًا يتم تداوله بين التجار والبائعين وكان ملزم عليهم تغييره واستخدام الديبن الجديد مع اختلاف وزنه أو حجمه عن السابق.
وعلى مدار السنيين اكتشف الأثريين مجموعة متنوعة من الديبينات، اكتشفوا ديبن لونه أحمر يرجع إلى عهد الاسرة العاشرة منقوش عليه اسم الملك خيتي الثالث، وتم اكتشاف حجر بوزن 70 ديبن يرجع إلى عصر الأسر الثانية عشر متواجدًا إلى وقتنا الحالي في متحف متحف "المتروبوليتان" (Metropolitan Museum) الموجود في أمريكا.
بالإضافة إلى إكتشاف لوحة حجرية تسمى لوحة "القاهرة القانونية" والتي تعود إلى عام 1650 قبل الميلاد، مضمونها أن أحد الأشخاص تنازل عن منصبه لشخص آخر مقابل إسقاط الديون عنه والتي كانت تبلغ قيمتها 60 ديبن ذهبي، و هذه اللوحة توجد في المتحف المصرى.
كان يظهر في البرديات بجانب هذه الأوزان للمصريين القدماء صورة لميزان كان يتم فيه وزن قلب الميت، فعلى الرغم من ذلك لم يتم إكتشاف أي ميزان حقيق ضمن المقتنيات التي تخص القدماء المصريين، وليس معروف إذا كانوا يستخدمون هذا الميزان في عمليات البيع والشراء أو ميزان مختلف.
قياس الوزن في الحضارة الهندية
و من الحضارة المصرية ننتقل إلى الحضارة الهندية وتحديدًا وادي نهر السند تم العثور على أقدم بقايا ميزان في التاريخ، وهو عبارة عن كفتين تم تثبيتهم بخيوط من على الحامل ويرجع تاريخ الميزان لسنة 2000 قبل الميلاد.
قياس الوزن في الحضارة الصينية
وفي الصين تم اكتشاف مقبرة من المقابر بداخلها مبزان تم صنعه من الخشب وبجانبه كتل معدنية مصنوعة من البرونز معتقد أنها كانت تستخدم كأثقال لهذا الميزان، ويرجع الميزان إلى حقبة أسرة تشو.
قياس الوزن في الحضارة الآشورية
أما في بلاد ما بين النهرين العراق تم اكتشاف مجموعة من الأوزان تعود إلى الحضارة الآشورية، حيث كانت هذه الأوزان في غاية الغرابة كُتل حجرية تظهر على شكل أسد كان يبلغ عددهم 16 قطعة فقط، مُدون عليها نقوش تفيد بأنه يتم استخدامها في الموازيين، ولكن المثير في الأمر هو تفاوت حجمهم في الوزن بنسب ثابتة، أسد كبير و أسد حجمه يساوي نصف حجم الكبير وهكذا.
قياس الوزن عند العرب قديمًا
وفي جزيرة العرب فالعرب كانوا قبل الإسلام يمتلكون وحدات قياس مختلفة لقياس الأوزان والأحجام والأطوال بعضها كان عربيًا والبعض الآخر من الشعوب حولهم، وبما أن العرب جميعهم كانوا أهل تجارة فكان عندهم نوعين مهمين من الوحدات أولهم وحدات الكيل والصاع و القفيز وغيرهم.
هذه الوحدات كانت تُستخدم بشكل أساسي للأشياء التي تتكايل كالقمح والأرز والشعير وغيرهم،وكان هناك وحدات آخرى للوزن كالدرهم والدينار و الرطل والذي كان يتم استخدامهم في قياس النحاس والذهب والفضة وغيرهم، وبالمناسبة أسماء الدرهم والدينار هي في الأصل أسماء لوحدات قياس وليس عملات.
و كانت قيمة هذه الوحدات وبالنسبة لوحدات الكيل كان "المد" أصغر وحدة، وهي شخص معتدل الطول يأخذ كبشة بيديه الإثنين و "الصاع" كان أكبر من المد وتحديدًا 4 أمداد.
وبالنسبة لوحدات الوزن كانت أصغر وحدة من بينهم هي حبة الشعير، فكان عدد 55 حبة شعير تساوي درهم والـ 10 دراهم تساوي 7 دنانير والـ 120 درهم تساوي رطل واحد، وهذه الوحدات موجودة إلى وقتنا الحالي والتي نستخدمها في تحديد قيمة زكاة الفطر.
قياس الوزن في أوروبا قديمًا
من جزيرة العرب ننتقل إلى أوروبا فعلى مر العصور ظهرت مجموعة متنوعة من الموازيين إلى أن استقرت بريطاينا في النهاية في أواخر القرن الخامس عشر تقريبًا على إستخدام نظام يشابه النظام المستخدم في شبه الجزيرة العربية، وهو مقياس "وينشستر" وهو مقياس يعتمد على وزن عدد معين من الحبوب أو البذور، حيث كان يتم استخدام وعاء في معيرة الأرز والملح وغيرهم.
لكن بعد فترة تم تطوير هذا النظام وظهر نظام "وحدات إمبراطورية" (Imperial units) والذي يعرف حاليا مجازًا باسم النظام الإنجليزي، اقتبس هذا النظام بعض الوحدات الموجودة عند الرومان ووحدات مستوحاه من أعضاء جسم الإنسان كالبوصة والقدم والياردة وغيرهم.
وفي الوزن تم إستخدام الرطل أو الباوند فكان الرطل في البداية كان عبارة عن 7000 آلاف حبة من حبوب طروادة إلى أن تحول إلى رطل قياسي وهو عبارة عن أسطوانة من البلاتين ومن خلال يتم قياس الرطل، وأخذت تنتشر هذه الوحدات الإنجليزية في جميع الدول التي كان لديها نفوذ عليها.
أما بالنسبة للقصة وراء عنوان المقال سوف يتم بناء عليه كل ما ذكرناه سابقًا، بعد سنة 1799 م وبالرغم من كل التطورات التي حدثت في المقاييس و الموازيين إلا أن كل منطقة كانت تستخدم نظام منفصل عن الآخر، ولذلك وقتها قررت الأكاديمية الفرنسية ابتكار نظام للقياس يكون سهل الاستخدام يعتمد على القوة 10 والتي عُرف بعدها بإسم "النظام المتري".
النظام المتري Metric System
النظام المتري يقوم ببساطة على وحدة السنتيمتر، فإذا بلغ السنتيمتر 10 يتحول إلى الديسيمتر وإذا بلغ الديسيمتر 10 أي (100 سنتيمتر) يتحول إلى متر، والكيلومتر يتكون من 1000 متر.
أما بالنسبة إلى الأوزان تم ابتكار وحدة "الجرام" وكان الجرام يساوي واحد سنتمتر مكعب من المياه في درجة حرارة الغرفة، والكيلو جرام عبارة عن 1000 جرام، وأول كيلوجرام معدني تم صنعه على الإطلاق تم معياره من خلال الطريقة السابقة.
كيف تم وزن اول كيلو في التاريخ؟
تم قياس "أول كيلوجرام" معدني من خلال إحضار 1000 سنتيمتر مكعب من الماء و تم صنع قطعة معدنية بنفس الوزن بالظبط، لكن لم تتوقف العملية عند هذا الحد فقط، فلكي يتم المحافظة على درجة عالية من الدقة أستعانوا بأسطوانة من البلاتين والايريديوم، 90% من البلاتين و 10% من الايريديوم لتكون قوية مع مقاومة الصدا والعوامل البيئية على مر السنيين، واحتفظوا بها داخل مختبر في فرنسا داخل وعاء زجاجي خاص.
هذه الأسطوانة إلى عام 2019 كانت أهم معيار لوزن الكيلوجرام القياسي، حيث يتم قياس الأوزان الباقية في العالم على أساسها، لكن بعد مرور عام 2019 وبعدما كان قياس الكيلوجرام جرام مرتبط بشكل أساسي بقطعة معدنية موجودة داخل إحدى المعامل فقد قرر بعض الباحثين من تحويلها إلى ثابت نظري وهو "ثابت بلانك" وهو معادلة حسابية تخرج الرقم بشكل دقيق ويرجع هذا إلى المحافظة على قيمة الكيلوجرام على مدار السنيين دون حدوث أي تغيير لها عبر الزمن كالكتلة الموجودة في معمل فرنسا.
النظام الدولي للوحدات International System of Units
هذا النظام المتري تم تحويله ليعرف بإسم "النظام الدولي للوحدات" حيث تفوق على النظام الإنجليزي وهو النظام السائد في أغلب دول العالم، فأصبحت وحدة الكيلوجرام أهم وحدة لقياس الوزن وتم معيار به جميع أجهزة الميزان بعد ذلك سواء ميزان عادي أو ميزان إلكتروني، في رحلة طويلة امتدت لقرون بداية من القدماء المصريين إلى حضارة بلاد الرافدين وصولا إلى البائع الموجود بالقرب من منزلك.